×
×

خمسة عقود من التلوث... أطفال قابس يموتون ببطء

على بعد 100 متر، يصنع المجمع الكيميائي بقابس الموت ويبث سمومه الخطيرة في أفئدة الصغار وصدور الأجنة في بطون الأمهات، قصص الموت البطيء، وآثار المرض والشحوب والإعياء، بدت جلية في مدرسة شط السلام.


SonFM (#)
مروى دجبي
مروى دجبي
نشر في 2023/11/07 17:28
TT
11

في 13 أكتوبر 2023 نقلت سيارات الإسعاف ثلاثة تلاميذ ومدير المدرسة إلى المستشفى الجامعي بقابس، بعد أن اختنقوا وأغمي عليهم نتيجة تسرب غازات سامة من المجمع الكيميائي، حادثة أعادة إلى الأذهان وفاة رحمة التلمودي 9 سنوات عام 2008 نتيجة تسرب غازات سامة من " البخارة ".

تؤكد والدة مريم (مصابة بضيق التنفس، وقع نقلها إلى المستشفى في 13/10/2023) أن ابنتها التي تعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي ظلت تختنق لمدة أربعة أيام بسبب انحصار الغازات السامة في صدرها، وتشير إلى أن الأطباء لم يتمكنوا من استخراجه ولا تقديم العلاج المناسب.

لأم مريم بنتان أخرتان عظامهم الهشة لم تقاوم حمل الجسد إلا ل 10 أعوام، وتقول الأم لقد خلقوا بهشاشة في العظام، لقد كانتا تركضان وتلعبان كجميع الأطفال، لكن حالتهما سرعان ما تعكرت ولم تعودا قادرتين على المشي.

توجه والدة مريم أصابع الاتهام إلى المجمع الكيميائي، وتؤكد أن أغلب أطفال المنطقة مصابون بهشاشة العظام وضيق التنفس ناهيك عن أمراض السرطان، بسبب التلوث الكيميائي.

خلال جولة قمنا بها داخل مدرسة شط السلام لاحظنا قصرا في القامة وهزالا شديدا وضعفا في البنية البدنية لـ 90 % من تلاميذ المدرسة.

ووفق موقع "أريج" يوجد 56 طفلا مصابا بأمراض تنفسية في شط السلام من أصل 142 طفلا شاركوا في الاستبيان الذي أنجزه الموقع، أي بنسبة 8.88 % وهي تمثل نسبة المعدل العام المسجل في ولاية قابس مضاعفة 6 أضعاف والمقدر ب 2.3 % سنة 1995.

طيلة أكثر من خمسة عقود فقد شط السلام بحارة ورجالا ونساء وأطفالا، يؤكد المتساكنون أنهم فارقوا الحياة بسبب مضاعفات التلوث التي جعلت نسب الإصابة بهشاشة العظام وضيق التنفس والسرطان "مرتفعة جدا".

في المقابل، لا توجد إحصائيات أو سجلات واضحة لعدد المصابين بهذه الأمراض لدى الإدارة الجهوية للصحة في قابس، ويشير الناشط البيئي بحراك "أوقفوا التلوث" خير الدين دبايا لـ SonFM أن هذ ا التعتيم جزء من سياسة الدولة الرامية إلى قتل أي معطى يمكن أن يدينها.

ويواصل بالقول يرفض الأطباء في قابس التنصيص على مسؤولية المجمع الكيميائي المباشرة في حدوث الأمراض أو الوفاة في التقارير الطبية، ويكتفون بربط سبب الوفاة والمرض بالنوبات القلبية والوراثة.

تقول ليلى 70 عاما كنت حاضرة عند افتتاح المجمع الكيميائي بحضور الزعيم الحبيب بورقيبة وعقيلته وسيلة بورقيبة وأحمد بن صالح، كنا سعداء حينها... لم نعتقد يوما، أننا سنواجه بسببه الموت، سمومه لم يسلم منها لا النبات ولا الحيوان ولا الإنسان لقد تدهورت نوعية المياه والتربة والهواء وتدمرت مواردنا الطبيعية، حتى، الأجنة وهم في بطون أمهاتهم مرضى ".

سنة 1971 استبشر المواطنون خيرا عند إنشاء المجمع الكيميائي في خليج قابس ظنا منهم أنه سيقضي على البطالة، لكن أحوالهم والمنطقة الصحية والبيئية سرعان ما انقلبت رأسا على عقب، ولم يتوقعوا أن يقضيا المجمع على أسماك ونخيل الخليج محدثا خللا في النظام البيئي، ويخنق ويقعد ويقتل صغارهم والكبار.

وتواصل ليلى كان من المقرر أن يقام المجمع في ولاية المنستير، لكن برقيبة" مستيري "وكان يعلم جيدا مخاطره مستقبلا فرفض، ثم اقترحت ولاية صفاقس لكن مواطنيها المثقفين رفضوا، ليحسم الاختيار على ولاية قابس وتحديدا المنطقة التي تعاني الفقر والبطالة.

يضم المجمع الكيميائي حوالي 20 وحدة صناعية كيميائية للإنتاج والتصدير، تنتج مادة" الامونيتر "ومادة" الأسفلت "وحمض" الفوسفوريك "وحمض" الفوسفوجيبس "الخطير بمعدل 13 طنا يوميا يقع إلقاؤها في البحر دون معالجة.

وتظهر هذه المادة في خليج قابس في شكل طبقة سوداء داكنة غطت زرقة البحر، وقضت على ثروته البحرية، وأضحى يلفظ البحر بشكل يومي أسماكا وسلاحف محترقة، تكدست جنبا إلى جنب مع الطيور التي شربت من الخليج.

ووفق المسؤول عن حراك "أوقفوا التلوث" خير الدين دبايا فقد فقد خليج قابس 93 % من تنوعه البيولوجي، وذلك منذ إحداث المجمع الكيميائي.

يقول الناشط البيئي فراس الناصفي لـ SonFM نعيش في قابس حربا بيئية من أجل الحياة، وبتنا متيقنين أن وجود المجمع أقوى من الإرادة السياسية، لأن عائداته تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد التونسي، وليس من مصلحتهم إغلاقه رغم تأثيراته الشنيعة على صحة المواطنين.

ويضيف فراس، قبل وخلال حملة رئيس الجمهورية الانتخابية كان سعيد يؤكد على حق قابس في بيئة سليمة، وكان يشجعنا على افتكاك حقوقنا البيئية والاقتصادية، لكنه حال صعوده سدة الحكم لم يستجب لأي مراسلة توجهنا بها له، ولم يزر الولاية إطلاقا.

وفق الدستور الذي أقره رئيس الجمهورية قيس سعيد في جوان 2022 عقب استفتاء شعبي بلغت نسبة المشاركة فيه 30.5 % تلتزم الدولة التونسية بحق المواطنين في بيئة سليمة وتسهر على ذلك، وجاء في الفصل عدد 47 منه "تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي".

في جوان 2017 اعترفت الدولة بمخاطر المجمع الكيميائي وقررت وقف إلقاء مادة "الفوسفوجيبس" في الخليج وتفكيك وحدات المجمع الملوثة ونقلها إلى منطقة صناعية صديقة للبيئة خارج المناطق العمرانية، لكن قراراتها وضعت على الرفوف.

بعدها بشهر تقريبا، فقدت الساحة النضالية البيئية في قابس نادر شكيوة، الذي مثل جسده المقعد خلال الوقفات الاحتجاجية رمزا للموت البطيء الذي يعانيه سكان قابس، رحل شكيوة وعلق القرار ولاتزال الدولة تتجاهل المأساة الإنسانية في قابس

 


مواضيع

  #قابس #تلوث #تونس

مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld