محامي لدى المحكمة الإفريقية: “أين تقف السيادة وأين تبدأ التزامات الدولة؟”
في تطوّر مثير للجدل، أعلنت الحكومة التونسية انسحابها من اختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ما أثار ردود فعل واسعة داخل الأوساط الحقوقية والقانونية. هذه الخطوة طرحت تساؤلات حادة حول مدى التزام تونس بتعهداتها الدولية، ومدى احترامها لحق المواطنين في التقاضي أمام الهيئات الدولية.
وفي تصريح إذاعي على موجات إذاعة son FM، تساءل الأستاذ إبراهيم بلغيث، المحامي لدى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، قائلاً: "هل يُعتبر هذا تراجعًا وخرقًا لحقوق الإنسان؟ وأين تقف السيادة وأين تقف التزامات الدولة؟"، مؤكدًا أن الخطوة التونسية تشكّل انتكاسة على مستوى الالتزام بالمحاسبة الدولية.
انسحاب سياسي بغطاء قانوني؟
ورغم أن الانسحاب يستند إلى ترتيبات قانونية واردة في البروتوكول التأسيسي للمحكمة، فإن التوقيت والمناخ السياسي المحيط به يثيران الشكوك حول خلفياته الحقيقية. في ظل تزايد الانتهاكات الحقوقية داخل البلاد، يرى مراقبون أن القرار يحمل أبعادًا سياسية تهدف إلى تقليص الرقابة الدولية.
موقف المحكمة الإفريقية... وصمت على السحب
المحكمة الإفريقية رفضت الطلب الرسمي الذي تقدمت به تونس لإلغاء التدابير الوقتيّة المتخذة سابقًا، في إشارة واضحة إلى أن القضايا الجارية تظل قائمة رغم قرار الانسحاب.
ويوضح الأستاذ إبراهيم بلغيث أن المحكمة لم ترد بشكل مباشر على خطوة السحب التي تمت بالاستناد إلى الفصل 34 فقرة 6، لكون بروتوكول المحكمة لا يتضمن آلية صريحة للانسحاب. وبيّن أن السحب تم إعلامه لرئيس الاتحاد الإفريقي وفق ما يُعرف بمبدأ "توازي الصيغ والشكليات"، كما فعلت بعض الدول سابقًا، لكن "المحكمة ليست معنية بالرد على هذا التصرف تحديدًا"، بحسب تعبيره.
المفاجئ، حسب بلغيث، أن المكلّف العام بنزاعات الدولة – وهو من يمثل الدولة التونسية – عاد وتقدّم بطلب إلى المحكمة نفسها للتراجع عن التدابير الوقتيّة، ما يعكس ارتباكًا في الموقف الرسمي.
جدل السيادة... ومفهوم مغلوط
تبرر السلطات التونسية انسحابها بالحفاظ على السيادة الوطنية، إلا أن بلغيث يرى أن هذا المفهوم يُستخدم بطريقة ملتوية للهروب من المحاسبة. ويؤكد أن "الدولة، في القانون الدولي، تلتزم بموجب إرادتها الحرة"، مضيفًا أن "الاعتداء على هيبة الدولة يتم عندما تتنصّل من التزاماتها وليس العكس". واعتبر أن "الحديث عن السيادة في هذا السياق مردود على أصحابه، بمجرد العودة إلى تعريف المفاهيم".
تقييد حق التونسيين في التقاضي الدولي
ومن أبرز ما يترتب عن هذا الانسحاب، حسب الأستاذ بلغيث، هو تقويض حق التونسيين في اللجوء إلى المحكمة الإفريقية، باعتبارها وسيلة تكميلية تُفعل فقط بعد استنفاد القضاء الوطني. الانسحاب، إذن، لا يمسّ فقط بصورة الدولة، بل ينعكس على فرص المواطنين في المطالبة بالعدالة خارج الحدود.
مخاوف من انسحاب أوسع من المنظومة الدولية
وحذّر بلغيث من أن هذا السلوك قد يفتح الباب أمام انسحابات أخرى من آليات دولية مشابهة، خاصة في ظل ما وصفه بـ"الانتهاكات الجسيمة" في ملف الهجرة غير النظامية، معتبرًا أن هذا "ليس سلوكًا غريبًا عن السلط الحالية"، في إشارة إلى توجّه نحو العزلة القانونية.
العدالة في خطر... لكن الأمل قائم
رغم ما تحمله هذه الخطوة من دلالات سلبية، فإن نشطاء ومراقبين يرون أن الدور المحوري للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لا يزال قائمًا، في سبيل الضغط للحفاظ على التزامات تونس الدولية.
المحكمة الإفريقية، من جهتها، تواصل لعب دورها كأداة لضمان العدالة في القارة، ويبقى انسحاب تونس مجرد محطة في صراع طويل بين القوى المدافعة عن الحقوق، وتلك الساعية لتقويضها.