في قلب القطاع الزراعي التونسي، تلعب العاملات الفلاحيات دورًا أساسيًا في تحريك عجلة الإنتاج. لكن خلف هذه الجهود الجبارة، تتكشف معاناة يومية على الطرقات، حيث تحوّلت حوادث المرور إلى تهديد قاتل يودي بحياة العديد منهن، ما يجعل تسليط الضوء على هذه القضية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وفقًا لتقارير حديثة صادرة عن معطيات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد لقيت 60 عاملة فلاحية مصرعهن نتيجة حوادث مرورية منذ عام 2015، في حين أصيبت 90 أخريات بجروح متفاوتة الخطورة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات صامتة، بل هي قصص مأساوية تعكس واقعًا مريرًا تعيشه فئة تُعد من أعمدة الاقتصاد الوطني، لكنها في الوقت ذاته من بين الفئات الأكثر هشاشة وإهمالًا.
تعاني العاملات الفلاحيات من انعدام وسائل النقل الآمنة التي تراعي أبسط شروط السلامة. غالبًا ما يتم نقلهن في شاحنات مكشوفة أو مركبات متهالكة لا تتوفر فيها تجهيزات تحمي الركاب. هذه المركبات، التي يفترض أن تكون وسيلة للوصول إلى مصدر الرزق، تتحول في كثير من الأحيان إلى أدوات تودي بحياتهن على الطرقات.
تقارير متطابقة أكدت أن أغلب الحوادث تقع بسبب غياب رقابة فعّالة على وسائل النقل المستخدمة، إضافة إلى سوء حالة الطرقات التي تعاني من تدهور البنية التحتية، خاصة في المناطق الريفية. كما أن السائقين في بعض الأحيان يفتقرون إلى التأهيل اللازم، مما يزيد من احتمال وقوع الكوارث.
تداعيات نفسية واجتماعية
لا تقتصر آثار هذه الحوادث على فقدان الأرواح أو الإصابات الجسدية، بل تمتد إلى تداعيات نفسية واجتماعية طويلة الأمد. أسر العاملات اللواتي فقدن حياتهن تجد نفسها في مواجهة مصاعب اقتصادية، خاصة أن هؤلاء النساء غالبًا ما يكنّ العائلات الرئيسيات لأسرهن.
أما الناجيات من هذه الحوادث، فهن يواجهن رحلة شاقة من العلاج والتأهيل البدني والنفسي، وغالبًا ما يجدن أنفسهن غير قادرات على العودة إلى العمل، مما يزيد من تعقيد أوضاعهن المعيشية.
رغم المناشدات المتكررة من منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان لتوفير نقل آمن للعاملات الفلاحيات، إلا أن الاستجابة الحكومية لا تزال دون المستوى المطلوب. وعود كثيرة قُطعت لتحسين أوضاعهن، لكنها لم تترجم إلى إجراءات فعّالة على أرض الواقع.
المرأة الريفية في تونس لا تحتاج إلى كلمات التعاطف فقط، بل إلى أفعال ملموسة تُعيد لها حقها في العمل بأمان وكرامة. فكل حادثة وفاة أو إصابة تمثل خسارة فادحة لا تقتصر على الضحية فحسب، بل تمتد لتشمل أسرتها والمجتمع بأسره.
المسؤولية جماعية وتتطلب تكاتف الجهود بين الدولة، منظمات المجتمع المدني، وأصحاب العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من هذه المآسي. فلا يجوز أن تكون حياة هؤلاء النساء ثمناً للإهمال والتقصير.