×
×

أحزاب تخلت عنها أنصارها: أخطاء اليوم نتائج حتمية لماض مسوّد


العربي الجديد
صوفية الصفاقسي
صوفية الصفاقسي
نشر في 2023/11/17 17:02
TT
11

في وضع حساس يتسّم بوقوع الأحزاب السياسية رهينة توجهات رئيس الجمهورية وتجاهله لدورها في خلق التوازن داخل الساحة السياسية، توسعت رقعة فقدان الجمهور لثقته في هذه الطبقة.

فبعد الإجراءات الاستثنائية التي رزحت تحتها البلاد سنة 2021 خرجت الأحزاب في حالة فتور شديد، مرفقا بعدم يقينها بما يتعلق بإعادة الأمور إلى نصابها في علاقة بوزنها الجماهيري الذي يواجه شبح الاستئصال فالوزال، معلنة دخولها تحت تهديد مصيري مسلط على رقبتها ضد حصن رئيس الجمهورية المنيع المرتبط بالسيادة الوطنية والشعبوية، والترويج لنفسه رئيسًا منبثقًا من الشعب، ومناهضًا للنخب.

وعقابا على فشلها في إدارة البلاد منذ الثورة حدّ سحب البساط من تحت أقدامها وتشويه سمعة ثلة منها بزجها داخل السجون ووضعها رهن الإقامة الجبرية وخلق حد لمسيرتها السياسية، انقلبت الجماهير لتصبح هذه الشخصيات بغيضة في نظر شريحة واسعة منها.

الدكتور في الأنثروبولوجيا والخبير في التواصل السياسي كريم بوزويتة أكد أن هذا الفعل نتيجة حتمية لما ورثته البلاد سنة 2011 من تشكيل حزبي مشتت، إذ لا يستطيع أي حزب منذ الثورة إلى اليوم أن يعبر نظاميًا عن التعبئة الشعبية، ما مهد الطريق لمشروع قيس سعيد، وخاصة منه عدم قدرة هذه الأطياف الوصول إلى التوقعات الشعبية وتحقيقها على أرض الواقع، ما خلق عجزا لديهم في اختيار من يمثلهم، مشيرا إلى أن وهم الديمقراطية التمثيلية ساهم في ذوبان السيادة الشعبية وأغرقها في الشكلية.

وفي هذا الإطار ينبغي أساسا التذكير ببزوغ فجر التحالفات داخل أسوار البرلمان الأسبق منها تحالف حركة نداء تونس وحركة النهضة عقب انتخابات 2014 لاستحالة تشكيل نداء تونس حكومة دون مصادقة حركة النهضة، عقبتها حكومة هشام المشيشي سنة 2020 فتحويرها في جانفي 2021 بعد وضع حركة النهضة ليدها في يد حزب قلب تونس.

واعتبر بوزويتة أن ظاهرة فقدان الأحزاب السياسية لوزنها الشعبي ظاهرة عامة لا تخص حزبا دون غيره، مضيفا أنه لفهم هذه الظاهرة لابد من إخضاعها لعلم النفس الاجتماعي الذي يلعب دورا أساسيا في فهمها، إذ تحدد السياقات الاجتماعية توجهات الجماهير وتكون لديها مشهدية لا يمكن فصلها عن الواقع.

وبسط الدكتور في الأنثروبولوجيا مثال حركة النهضة التي قال إنها جاءت بمشروع مضاد للمنظومة النوفمبرية، موضحا أن فئة من الشعب علقت أمالا مختلفة عليها إذا مثلت الحركة قبل الثورة جهة معارضة للنظام السابق عن طريق تمسكها بمرجعيتها الدينية المحافظة.

ليأتي الدور سنة 2014 على حزب نداء تونس الذي استثمر في الغضب الشعبي من حركة النهضة ومبالغتها في خلط الدين بالممارسات السياسية الهوجاء، لتفقد بذلك جزأ كبيرا من قاعدتها الجماهيرية لصالح نداء تونس الذي احتضن الجماهير بخطابه الحداثي، وفسر بوزويتة هذا التمشي بأنه تمشي عاطفي انتقامي، ويعني أن تختار الجماهير شخصا يمثلها لينتقم لها ممن استباح خذلانها في الماضي، ليواصل ذات النهج سريانه سنة 2019 وبعد 25 جويلية 2021.

لتدفع حركة النهضة آنذاك ثمن تحالفها مع حزب نداء تونس، بنفور واستياء متزايد من ناخبيها، الذين سئموا من تبريرات الحزب لمواقف متناقضة كتمرير قانون المصالحة الذي بيّض صفحات عدو الماضي أي نظام بن علي وتهميش مسار العدالة الانتقالية رغم ما تعرض له مناضلو الحركة سابقا من قمع ونفي وتعذيب.

وأكد بوزويتة أن الطبقة السياسية في تونس لا تحاول احتواء الغضب الجماهيري بقدر ما تسارع في تحويله إلى ظاهرة سياسية لا إلى مشروع سياسي، على حد قوله، مستشهدا برئيسة الحزب الدستوري الحر التي استنزف رئيس الجمهورية جزأ من مخزونها الشعبي عندما زجّ بقيادات حركة النهضة في السجن، الأمر الذي كان الخبز اليومي والشغل الشاغل لموسي.

ولا يمكن التغاضي عن الدور السلبي الذي لعبه الاعلام وخاصة التلفاز في مشهدة الساحة السياسة في وقت ما وجعلها بؤرة لفض النزاعات بكل احتدام لدر المال على المستشهرين، مثلما فسر بوزويتة، إضافة إلى المعطى التكنولوجي والخوارزميات الفاسبوكية التي تساهم بشكل كبير في خلق سلسلة من الغضب المتسارع تجاه السياسيين والأحزاب السياسية.

وبحديثه عن قيس سعيد الذي يتخذ الشعبوية سلاحًا من خلال كفاحه باسم الشعب ضد أعداء الشعب ومخططاتهم، قال الخبير في التواصل السياسي أن لرئيس الجمهورية معجبين وليس أنصار، وهي علاقة عاطفية قائمة على الذهول لا على البرامج، ترتبط بالنجاعة وبمدى تطبيق قيس سعيد لرؤيته وتمثله لمستقبل البلاد خلال فترة حكمه.


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld