×
×

الهيدروجين الأخضر: إذعان لحاجيات أوروبا أم خلق للثروة

يقوم مشروع الهيدروجين الأخضر في تونس على الاقتراض من البنوك العالمية لشراء التجهيزات اللازمة من دول الاتحاد الأوروبي لإقامة المشاريع في الجنوب التونسي ثم تصدير مادة الهيدروجين إلى أوروبا من بعد تحويلها، وفق استراتيجية وزارة الطاقة.


الهيدروجين الأخضر (Google)
قسم الأخبار
قسم الأخبار
نشر في 2024/05/30 19:26
TT
11

وقعت تونس في 27 ماي 2024 مذكرة تفاهم مع مجمع الشركات الفرنسية "توتال للطاقات" والنمساوية "فاربوند" بهدف تطوير وإنجاز مشاريع الهيدروجين الأخضر وذلك بحضور رئيس الحكومة أحمد الحشاني، تم تسويق هذا الحدث على أنه سيقلص من العجز الطاقي، وسيساهم في الانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك إلى نموذج طاقي جديد ومستدام، يرتكز على تنويع مصادر الطاقة، ودفع الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، إلى جانب النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة والجديدة.

في المقابل، وصف حراك أوقفوا التلوث مذكرة التفاهم بأنها تواصل لتكريس سياسة التبعية، مضيفا أن التمشي نحو الهيدروجين الأخضر ليس إلا استيلاءً أوروبيا على الموارد المائية التونسية التي تعاني أصلاً من مشكلة الندرة، ومواصلة في سياسات الخضوع والإذعان لحاجيات أوروبا الطاقية على حساب أولويات البلاد المتمثلة في سد العجز الطاقي والتخلص من التبعية الغذائية وأزمات الجفاف وانقطاع المياه المتكرر.

ويقوم مشروع الهيدروجين الأخضر في تونس على الاقتراض من البنوك العالمية لشراء التجهيزات اللازمة من دول الاتحاد الأوروبي لإقامة المشاريع في الجنوب التونسي ثم تصدير مادة الهيدروجين إلى أوروبا من بعد تحويلها، وفق استراتيجية وزارة الطاقة.

من جانبه اعتبر الناشط البيئي صابر عمار في تصريح لإذاعة SonFM أن الهدف من توقيع هذه المذكرة هو جعل تونس مركز دولي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بغطاء تحقيق التنمية المستدامة وخلق الثروة والقضاء على البطالة، في حين أنه عند التمعن في الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر، نكتشف أن المشروع لن يقض على معدلات البطالة ولن يحقق تنمية حقيقة لأن عملية إنتاج وتصدير الهيدروجين سترتكز على توريد التكنولوجيا عالية القيمة من الخارج مقابل تصدير المواد الأولية.

ويرى عمار أن مشاريع الهيدروجين ستحول تونس إلى مركز لإنتاج الطاقة للاتحاد الأوروبي دون تحقيق فوائد معقولة، متحملة بذلك المديونية والتبعية والأخطار الصحية والبيئية واستنزاف ثرواتها الطبيعية، في المقابل يكون الاتحاد الأوروبي قد استثمر في مجال تكنولوجيات الطاقة البديلة وأمن لنفسه مصدر قار يزوده بالطاقة في إطار تنفيذه لخطة "REPowerEU" والتي تقوم على جعل أوروبا مستقلة عن الوقود الأحفوري الروسي قبل عام 2030، مقابل مضاعفة واردات الهيدروجين الأخضر.

وأضاف عمار أن إنتاج الهيدروجين الأخضر هو استنزاف حقيقي للموارد المائية، مشيرا إلى أنه وفق استراتيجية وزارة الصناعة ستعمل تونس على توفير ما بين 165,4 مليون متر مكعب و248,2 مليون متر مكعب من المياه خلال سنة 2050 لإنتاج الهيدروجين وهو ما يعادل استهلاك 5 مليون مواطن تونسي من الماء الصالح للشرب ما يمثل خطرا على الأمن المائي في البلد الذي يطارده شبح الشح المائي منذ سنوات.

ويرى عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطّاقة، إلياس بن عمار في تصريح لإذاعة SonFM أن مواطن الشغل التي تطمح تونس لخلقها من خلال مشاريع الهيدروجين الأخضر والتي قدرت ب 430 ألف موطن وفق وزارة الصناعة، في البلد الذي بلغت نسبة البطالة فيه 16,2 % في الثلاثي الأول من سنة 2024، ستكون نصفها وظائف مؤقتة حتى تركيز المشاريع، منددا باستخدام شعار التشغيل من قبل السلطة قصد إيهام الشعب لتمرير المشاريع التي لا تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

وواصل القول": في إطار تحيين سياستها الطاقية عقب الحرب الروسية على أوكرانيا، أصبحت أوروبا تبحث عن بدائل للطاقة الروسية وشركاء جدد يوفرون لها الهيدروجين الأخضر من بينهم ناميبيا وعمان وتونس بهدف الحصول على الطاقة بأقل تكاليف بيئية وأرباح على مستوى التمويلات." على حد تعبيره.

وأضاف بن عمار :" قبل تغيير الاتحاد الأوروبي نظرته إلى الطاقة الروسية، كانت تسعى الشركة التونسية للكهرباء والغاز إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر من أجل تخزين الطاقة الكهربائية التي تم إنتاجها من الطاقة المتجددة، ومع دخول الاتحاد الأوروبي على الخط وتوقيع تونس وألمانيا اتفاق تعاون بقيمة 31 مليون يورو لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر في ديسمبر 2020 تم تغيير الخطة، واقتنعت السلطة التونسية أن الحل يكمن في إنتاج وتصدير الهيدروجين دون الاستفادة منه، وذلك بفعل تأثير وكالة التعاون الفني الألماني GIZ التي تعد المحرك الأساسي للانتقال الطاقي في تونس إذ تعمل حاليا على خدمة المصالح الألمانية من خلال تطويع الثروات الطبيعية التونسية لصالح الاستثمار الأجنبي الأوروبي بشكل عام والألماني بشكل خاص، وفق قوله.

وترى وكالة التعاون الفني الألماني GIZ المشرفة على استراتيجية الهيدروجين الوطنية أن النسيج الصناعي التونسي غير قادر على الاستفادة من الهيدروجين الأخضر في قطاعات كالنقل وصناعة الحديد، تزامنا مع تحديث ألمانيا لاستراتيجيتها الوطنية للهيدروجين، والتي نصت على الاعتماد الكلي للهيدروجين كعنصر أساسي للانتقال الطاقي، وتقوية شراكاتها وقدرتها التنافسية من خلال تشجيع البحث والتطوير وتصدير التكنولوجيا المتعلقة بتقنيات الهيدروجين المبتكرة إلى الدول التي ستحتضن المشاريع.

في الأثناء أعلنت برلين أنها قادرة على إنتاج 30% فقط من حاجياتها من الهيدروجين بسبب قلة المساحات المخصصة لبناء مزارع الرياح والأنظمة الكهروضوئية، مقابل استيراد 70% من حاجياتها من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفق الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين التي نشرتها وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني GIZ تهدف تونس إلى إنتاج 322 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنة 2030 سيتم توجيه 6,83 % منها فقط للسوق المحلية مقابل تصدير 93.16% إلى أوروبا التي ستكون المستفيد الوحيد تقريبا والأكبر من إنتاج بلادنا للهيدروجين الأخضر، كما تخطط تونس إلى تصدير 6,4 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا خلال سنة 2050، مقابل 1,9 مليون طن إلى السوق المحلية.

 هذا بالإضافة إلى أن تونس ستكون ملزمة بتجميع حوالي 117.2 مليار يورو من أجل توفير البنية التحتية اللازمة لإنتاج الهيدروجين، عن طريق الاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة من بنك الاستثمار الأوروبي والصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بهدف تركيز محطات الطاقات المتجددة ومحطات تحلية مياه البحر واقتناء وتركيب الأنابيب المرتبطة بشبكات المياه والهيدروجين وتطوير المواني بطريقة تجعلها قادرة على تصدير الهيدروجين، وفق ما جاء في استراتيجية وزارة الصناعة.

وستعمل تونس على تركيز أكثر من 90 جيغاوات من الطاقة المتجددة عبر بناء مزارع الرياح والأنظمة الكهروضوئية، وتشير تقديرات إلى أنها ستكون في حاجة إلى 500 ألف هيكتار من الأراضي للانطلاق في المشروع عبر تسخير أراضي الدولة أو الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية دون الأخذ بعين الاعتبار حق الأهالي في رفض إنشاء مشاريع الطاقة المتجددة في منطقتهم، وفق بيان حراك أوقفوا التلوث الصادر في 28 ماي 2024.

 

 


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld