×
×

المهاجرون في "العامرة": السلطات تنتهك حقوقهم والأهالي يستغلون الأزمة


يعيش حوالي 3000 مهاجر معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء منتشرين في حقول الزيتون على بعد حوالي 30 كيلومترًا شمال صفاقس [Fethi Belaid/AFP via Getty]
مروى دجبي
مروى دجبي
نشر في 2023/09/22 17:29
TT
11

على بعد حوالي 35 كلم من صفاقس المدينة، يفترش آلاف المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في "العامرة" الأرض متوسدين ستائر بالية والجوع يفتك بهم، بعد أن كدستهم الحملات البوليسية التي أطلقتها وزارة الداخلية داخل "هناشر الزيتون" و "طوابي الهندي" الوعرة.

كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء من يوم الجمعة 15 سبتمبر 2023 حين توقفت سيارة الحرس التونسي فجأة أمامنا، ونحن جالسون في ساحة باب الجبلي، نخطط لكيفية تجميع ألفي دينار لمغادرة تونس كان قد طلبها "الحراق"... افتكت عناصر الحرس التونسي هواتفنا وضربونا حتى شبعوا، وأرغمونا على صعود حافلة لا ندري إلى أين تتجه… بعد كر وفر أنزلونا في مكان موحش ونمنا تحت الشجر، يتحدث مهاجر التقته SonFM في "العامرة".

في 17 سبتمبر 2023 أعلنت وزارة الداخلية عن إطلاق حملة أمنية تهدف إلى إخلاء رباط المدينة بساحة باب الجبلي وساحتي حديقة وهران وحديقة الأم والطفل، بصفاقس المدينة، من المهاجرين غير النظاميين، واعتقال منظمي عمليات "الحرقة"، دون تنسيق مسبق مع المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، قصد توفير العلاج والغذاء للمهاجرين بعد ترحيلهم.

تقصير ترجم في عدم وصول منظمة الهلال الأحمر أو أية منظمة أخرى إلى " جبنيانة " و "العامرة" للإغاثة، كما تجلى في الجوع والعطش وعشرات المرضى والمصابين الذين رصدناهم في صفوف المهاجرين.

يقر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أن السلطات التونسية تعمل على تعطيل وصول مساعدات المجتمع المدني الإنسانية إلى المهاجرين في إطار استراتيجية تهدف إلى طاردهم ودفعهم إلى العودة الطوعية.

ويؤكد بن عمر أن السلطات التونسية تعمدت تعقيد إجراءات وصول الإمدادات الإنسانية إلى المهاجرين بدواع إلزامية الحصول على تراخيص من وزارة الداخلية، رغم أن هذه النشاطات من صميم مهامها وفق قوانينها الداخلية.

مهاجرون أفارقة يصعدون على قطار يوم 5 جويلية 2023، حينما يفرون إلى تونس وسط أعمال شغب في صفاقس بعد طعن رجل تونسي في مشاجرة مع المهاجرين© AFP/Houssem Zouari

انتهاكات اقتصادية

مع انتشار ركاب حافلات وزارة الداخلية في " هناشر زيتون" جبنيانة والعامرة، فتح المتساكنون المحليون في هذه المناطق محالا تجارية، تهدف إلى توفير المواد الغذائية التي يحتاجها المهاجرون بأسعار مضاعفة مقارنة بتسعيرة وزارة التجارة.

حيث تباع خبزة "الباقات" للمهاجر بـ 500 مليم ونصف كلغ الكسكسي بـ 3 دنانير وعلبة الماء المعدني سعة لتر ونصف بـ 1 دينار، وفق عمليات بيع وثقناها.

تقول إحدى المهاجرات وهي تقطع الطماطم داخل إناء بلاستيكي، يبدو أنه من القمامة: "لقد وصلت التفرقة العرقية في تونس حد الأسعار، أنظروا إلى حبات الفلفل الثلاث لقد اشتريتهم بدينار، أ يشتريهم التونسيون بدينار؟".

في المقابل، يقر صاحب عربة بيع خضر ومواد استهلاكية وشطائر على الطريق الرئيسي قرب جامع "الروايسية" مدخل المهاجرين إلى "مستقرهم" بصريح العبارات "لقد جنيت المال منذ أن جلبت قوات الأمن المهاجرين إلى هنا.

زد على ذلك، يؤكد عشرات المهاجرين الذي التقيناهم في" العامرة "أن البنوك التونسية باتت ترفض تمكينهم من سحب أموالهم، ويقول ماكسيم مهاجر من غينيا لقد منعني BIAT بنك من سحب أموالي عبر خدمةWestern Union   (خدمة تتيح إرسال الأموال إلى جميع أنحاء العالم عبر مكاتبها أو الإنترنت) بحجة أنه لا يستعمل هذه الخدمة.

هذا ويشير مامادو مهاجر من بركينا فاسو، أن البنوك التونسية تشترط الاستظهار بشهادة إقامة مقابل تمكين المهاجرين من سحب أموالهم، وهي تعلم جيدا أننا لا نملكها.

قيود على التنقل

طالت الاعتقالات الأمنية التي أطلقتها وزارة الداخلية في 15 سبتمبر في صفاقس منظمي عمليات الحرقة وأصحاب ورشات صنع "الفلايك الحديدية" وسائقي سيارات الأجرة الفردية والجماعية.

يؤكد حسن سائق سيارة "لواج" تعمل على خط "جبنيانة" "صفاقس" أن قوات الأمن اعتقلته ظلما أثناء نقل مهاجرين غير نظاميين إلى أحد المراكز الصحية، بتهمة المساعدة والتوسط على مغادرة التراب التونسي خلسة، وتم احتجاز سيارته لمدة 22 يوما.

فيما يصر حسن على أنه لم يرتكب أي خطأ يستوجب اعتقاله حيث لم يخرج عن إطار خط عمله، بالإضافة إلى أن وزارة النقل لم تنشر أي منشور يمنع نقل المهاجرين، ويضيف محدثنا أن الاعتقالات طالت 15 سائق "لواج" و "تاكسي" في صفاقس ويحتج:" صحيح أنهم لم يتمكنوا من إثبات التهم "الكيدية" لكنهم عطلوا عملنا. "

في الأثناء، بات المهاجرون الأفارقة من دول جنوب الصحراء مجبرين على التنقل مشيا على الأقدام لكيلومترات، بعد أن أصبح سواق الحافلات وسيارات الأجرة الفردية والجماعية يرفضون نقلهم خوفا من الاعتقال.

يقول ماكسيم أقطع أسبوعيا 70 كلم ذهابا وإيابا من" جبنيانة "إلى صفاقس المدينة، لكي أعمل بضع ساعات في البناء أتقاضى عليها 20 دينارا، أشتري بها منتجات غذائية."

في المقابل، يشير الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن تضييق الخناق على التحويلات المالية للمهاجرين ومنعهم من استخدام وسائل النقل العمومية والخاصة، إلى جانب حصر المساعدات الإنسانية لدى الهلال الأحمر التونسي وتعطيل عمل منظمات المجتمع المدني من خلال وضع عديد العراقيل الإدارية قصد إضعاف أدائها في ملف الهجرة، هو جزء من استراتيجية البلاد الرامية إلى خلق بيئة رافضة للمهاجرين، تجعلهم يفكرون في المغادرة.

ويشير بن عمر إلى أن تونس لم تقدم دروسا في الإنسانية للعالم كما يدعي رئيس الجمهورية بل قدمت دروسا في الكراهية والعنصرية وهو ما تجلى في خطابات الرئيس وعمليات الترحيل القسرية في الصيف والآن إلى مناطق معزولة ووعرة.

وانتقد الناطق الرسمي بإسمي المنتدى، المنظمات الأممية المعنية بالتنسيق مع الدولة التونسية للتكفل باللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين ويقول إن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة قامتا بأداء "مخجل" في ملف الهجرة لا يستجيب للمهام السامية لهيئات أممية.

روما تضغط

تزامنا مع إعلان إيطاليا حالة الطوارئ في جزيرة "لامبيدوزا" بعد وصول حوالي 8000 مهاجر إلى الجزيرة (رقم يعادل عدد سكانها) أبحروا من تونس، وتنامي الانتقادات الأوروبية لمذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة التي وقعتها تونس مع الاتحاد في 16 جويلية 2023، بدأت وزارة الداخلية التونسية في نقل آلاف المهاجرين إلى المناطق التي تمثل منطلقا لقوارب الهجرة وهي " جبنيانة و" العامرة "و" المساترية ".

 (Yara Nardi/Reuters ) مهاجرون يصطفون في طابور بينما ينتظرون نقلهم إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية

في هذا الإطار، رأى الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن خطوات روما الأخيرة ترمي إلى ابتزاز تونس بهدف مزيد تعزيز التعاون الأمني معها، لمنع تدفقات المهاجرين وتكثيف عمليات الاعتراض والتفاوض حول مسألة إعادة الترحيل القسري للمهاجرين من إيطاليا إلى تونس.

ويذهب بن عمر إلى أن الجانب الإيطالي ضخم عدد المهاجرين الواصلين إلى الجزيرة من أجل إعطاء مشروعية لعمليات الاحتجاز والترحيل ومزيد إظهار تونس كالبلد غير المتعاون لعدم التطبيق الجدي لمذكرة التفاهم، إلى جانب تحقيق مكاسب مع ألمانيا وفرنسا.

في الأثناء، قالت الناطقة الرسمية باسم الهلال الأحمر التونسي بثينة قرقوبي ردا عن سؤالنا عن أسباب عدم تدخل الهلال إلى حد الآن في" العامرة "و" جبنيانة "إن المنظمة ستطلق حملة إنسانية مكثفة خلال الأيام القليلة القادمة تتضمن قافلة صحية تضم أطباء اختصاص، بالإضافة إلى تقديم وجبات غذائية يومية لحوالي 4500 مهاجر.

ختاما، فقد المهاجرون غير النظاميين في تونس ثقتهم في الإعلام المحلي والأجنبي والمنظمات الأممية والوطنية، وأصبحوا يتحاشون الحديث مع وسائل الإعلام المحلية، لأنهم باتوا في عقولهم وأعينهم" جواسيس "يعملون لصالح وزارة الداخلية، ومع تعكر أوضاعهم الصحية والأمنية يوما بعد يوم، بات مطلبهم الأوحد احترام حقوقهم الإنسانية الكونية.

نشير إلى أننا لم نتمكن من الحصول على مواقف رسمي من وزارات التجارة والمالية والنقل بعد الانتهاكات التي رصدناها في حق المهاجرين غير النظاميين رغم محاولات الاتصال بهم.


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld