لم يتردد رئيس الجمهورية قيس سعيد للحظة منذ توليه السلطة في 23 أكتوبر 2019 للإعلان عن موقفه من المجالس البلدية التمثيلية والمنتخبة والتي يرى فيها امتدادا لأحزاب سياسية معارضة ومنافسة له إلى جانب عدم اقتناعه بنجاعة مسار اللامركزية، فكيف أنطلق مسار سعيد في تهميش المجالس البلديات والحد من دورها وصولا إلى حلها وتعويضها بنيابات خصوصية؟ وما مدى نجاعة الأخيرة في إدارة الشأن المحلي اليوم؟
من تجاوز صلاحياتها إلى حلها
في جوان 2020 اتهم رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني سعيد بخرق صلاحيات السلطة المحلية الدستورية عقب أدائه لزيارة لمسجد راجع للبلدية بالنظر ترابيا وتحت إشرافه دون تنسيق مسبق، معتبرا أن سعيد تجاوز بذلك السلطة الأولى في المنطقة.
في أكتوبر 2021 وخلال لقائه بوزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين وصف سعيد البلديات ب "الدول داخل الدولة الواحدة"، ما عده خبراء في الشأن البلدي تقويضا للحكم المحلي.
في 23 نوفمبر 2021 ألغى سعيد بأمر رئاسي وزارة الشؤون المحلية وألحق جميع وظائفها وفروعها محليا وجهويا ومركزيا بوزارة الداخلية.
ليقيل في غرة ديسمبر 2022 بموجب أمر رئاسي رئيس بلدية بنزرت كمال بن عمارة مبرر قراره بإضرار الأخير بالمصلحة العامة ومخالفة القانون، في المقابل اعتبر بن عمارة أن قرار الإقالة هو "ردة فعل" من السلطة نتيجة مقاومة البلدية لمحاولات وضع اليد والسيطرة عليها.
وكان قد نشب في أكتوبر 2022 خلاف بين رئيس بلدية بنزرت والوالي، بعد رفض بلدية بنزرت تزيين شوارع بمناسبة عيد جلاء آخر جندي فرنسي من تونس.
في 09 مارس 2023 نقح سعيد القانون الانتخابي وأمر بحل 350 مجلسا بلديا منتخبا وتعويضه بنيابات خصوصية، وأعلن عن تنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة مجلس الجهات والأقاليم، والتي اعتبرتها قوى سياسية عدة ومنظمات خطوة إضافية لتفكيك "دولة القانون" على غرار "أنا يقظ" التي دعت المجالس النيابية إلى الطعن أمام المحكمة الإدارية وفق لما نص عليه الفصل 204 من مجلة الجماعات المحلية.
في تقييم الخدمات البلدية
شمل العمل الميداني حول تقييم المواطنين للأداء البلدي، أربع بلديات من كل ولاية في تونس الكبرى، لتتعدد تقييماتهم ما بين مستحسن لقرار حل المجالس البلدية الذي اعتبروه خطوة لتطهير البلديات من الانتماءات السياسية التي خدمت مصالح المقربين، ورافض رأى أن في قرار سعيد رغبة في السيطرة على كامل زمام السلطة.
يعتبر أغلب المواطنين المستجوبين في بلدية بن عروس أن جودة الخدمات البلدية قد تراجعت بشكل ملحوظ منذ قرار الرئيس حل المجالس البلدية.
ويشتكي المواطنون من طول ساعات الانتظار لاستخراج وإتمام الوثائق داخل البلدية ويقول فيصل (37 سنة) لـ SonFM "قبل حل المجلس البلدي كنا ننتظر دورنا ضمن جحافل من المواطنين، ننتظر ثم نحصل على ما نريد رغم المشاكل التقنية التي قد تحدث وسرعان ما يتدخل رئيس البلدية وينهي الأمر... أما اليوم فطوابير عادت إلى منازلها بسبب عدم القدرة على إصلاح المشاكل التقنية...
في المقابل، يشتكي وليد (30 سنة)، عامل في بيع العجلات المطاطية في" سوق ليبيا "من عدم رفع بلدية بن عروس لفضلات السوق لأكثر من شهر ما ساهم في تلوث المكان إلى جانب عدم صيانة شبكة التنوير داخل السوق رغم المطالبة الدائمة بذلك.
يذكر أن آخر أشغال صيانة لشبكة التنوير أطلقتها البلدية كانت في 12 جويلية 2023 فيما قامة بآخر حملة نظافة في 08 جويلية 2023 وفق منشوراتها على صفحتها" بفايسبوك ".
في الأثناء، تعتبر (سارة 42 سنة) أن بلدية منوبة لم تعد قادرة على ترتيب الأولويات ووضع الاستراتيجيات والمخططات لإنجاز المشاريع المهمة والمستعجلة والتي تثير أرق المواطنين يوميا كجهر الأودية وإصلاح الطرقات الرئيسة ورفع الفضلات اليومية، إلى جانب عدم قدرتها على ربط علاقات صلبة ومتينة مع هياكل الدولة تؤدي إلى التدخل السريع والفعال.
في ذات الإطار، يشيد أغلب المواطنين المستجوبين في بلدية أريانة وباردو التابعة لولاية تونس، بمحاولة النيابات الخصوصية تحسين الخدمات اليومية رغم ضعف الإمكانات.
وتقول رحاب (28 سنة مقيمة بباردو) لست من المهتمين بالشأن العام لكني لاحظة في الآونة الأخيرة انضباطا من البلدية في رفع الفضلات اليومية ومحاولة لتعصير الخدمات الإدارية عبر استخدام تطبيقات حديثة تقضي على الاكتظاظ.
هذا ويعتبر محمد (60 سنة أصيل ولاية أريانة) أنه بات يلتمس في النيابات الخصوصية إرادة في انجاز المشاريع المعطلة والقضاء على الانتصاب الفوضوي والاستجابة إلى طلبات المبلغين في الصيانة والتهيئة، ويقول:" لقد بدأت تضمحل "سياسة المحاباة" وأصبحت تعبد الطرقات التي تستجيب إلى معايير مضبوطة وواضحة... لا الطرقات المحاذية لمنازل أعضاء البلدية. "وفق قوله
العودة إلى حضن الداخلية
وفق بلاغ وزارة الداخلية الذي صدر إبان حل المجالس البلدية أصبحت البلديات ملزمة بأخذ موافقة الوالي بخصوص التدابير العامة كالمصادقة على مخططات التنمية والبرامج الاستثمارية وأمثلة التهيئة العمرانية والتحويلات المالية وتعديلات الميزانية وإجراءات الاقتراض وغيرها، ما يقوض التدبير الحر والحكم المحلي الذي جاءت به مجلة الجماعات المحلية والتي تنص في فصلها الثاني على أن "الجماعات المحلية هي ذوات عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية."
تقول أحلام زروق عضو المكتب التنفيذي في منظمة أنا يقظ "مقيمة لشراكة مع 220 بلدية من أصل 350 بلدية في كامل تراب الجمهورية التونسية" لـ SonFM أن السلطة تحاول فرض سيطرتها على البلديات كخطوة تعيدنا إلى البيروقراطية من خلال إلغاء وزارة الشؤون المحلية وإلحاق البلديات بوزارة الداخلية والتأكيد على ضرورة الرجوع للوالي عند اتخاذ القرارات، مثنية على المجهود الكبير الذي يضطلع به المكلفون بتسيير البلديات من أجل استمرار المرفق.
في المقابل، اعتبر المكلف بتسيير بلدية أريانة لطفي الدشراوي في حواره لـ SonFM أن عرض القرارات على الوالي إجراء يندرج في إطار مراقبة الدولة لمدى تطبيق المكلفين بتسيير البلديات للقانون في الفترة الراهنة وليس تكريسا تدريجيا للحكم المطلق والكلياني.
وأضاف الدشراوي أن النيابات الخصوصية تسعى حاليا إلى إتمام المشاريع والمخططات التنموي التي وضعت قبل قرار حل المجالس البلدية بل إن النيابات الخصوصية طورت خدماتها من ناحية تقليص التعقيدات الإدارية وتقدم المشاريع البلدية المعطلة.