لمحاربة شبح البطالة الذي يعصف به، اقترض حمزة 22 سنة أربعة آلاف دينار لشراء دراجة نارية وهاتف ذكي للعمل، بعد أن أغرته قصص نجاح أصدقائه في كسب المال عن طريق تطبيقات توصيل الأكل، ويؤكد لـ SonFM أنه يعمل بلا عقد وتغطية اجتماعية وتأمين عن المرض وهو راض...
أمام المركب التجاري "المنار سيتي" بتونس يسابق عشرات عمال التوصيل الزمن، كي يظفروا بمزيد من الطلبات التي ستحدد لهم بعد ذلك أجورهم غير آبهين بقواعد الجولان أو مخاطر السرعة، فهمهم الوحيد إيصال أكبر عدد ممكن من الطلبات والحصول على علامة كاملة من الحريف.
شباب لقمة للاستغلال
قطاع توصيل الأكلات السريعة، هو نشاط اقتصادي حديث أنتجته الشركات العاملة عبر الإنترانت التي استغلت الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي التونسي الضعيف والذي خلق فئة شبابية هشة، حيث بدأت المهنة تزدهر خلال جائحة كورونا سنة 2020، مستفيدة من الحجر الصحي والثقافة الاستهلاكية المتنامية لدى الشارع التونسي مقترحة نفسها حلا أمام شباب عاطل عن العمل (نسبة البطالة % 15,6 وفق المعهد الوطني للإحصاء) في البلد الذي تعاني أجهزته الرقابية من ضعف لوجستي وبشري على جميع الأصعدة.
أحبطت حمزة نسب البطالة المرتفعة في صفوف أصحاب الشهائد العلمية إلى جانب عدم قدرة أسرته على مجابهة مصاريف تعليمه ما دفعه إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة وامتهان أعمال يومية في التنظيف والبناء، ومع سطوع نجم عالم " الديليفري " داخل الطبقة الوسطى الدنيا أصبح يرى فيها مهربا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ووفق الباحث في علم الاجتماع سفيان جاب الله (من معدي ورقة السياسات "الشباب التطبيق والحريف سسيولوجيا خدمات توصيل الأكل بتونس") يتراوح سن عمال توصيل الأكل السريع بين 18 سنة و25 سنة، أغلبهم انقطع مبكرا عن الدراسة وينتمي إلى الطبقة إما المتوسطة أو الفقيرة والتي يكون رأس مالها الثقافي ضعيفا، في المقابل يتميز بإيمانهم بثقافة العمل والمسؤولية الاقتصادية.
وضعية هشة
على ضوء ما جاء في ورقة السياسات تعتمد الشركات عقود إسداء الخدمات كصيغة تعاقدية مع عمال التوصيل، إما بصفة مباشرة مع العامل تقتطع بموجبها نسبة محددة من مداخيله أو بصفة غير مباشر عن طريق الوسيط.
وتتعاقد التطبيقات التي تعنى بتوصيل الأكل مع وسطاء يقومون بتأمين عمال لهم دراجات نارية، ويتقاضى الوسيط من 10 % إلى 20 % من القيمة الشهرية لمعاملات التوصيل.
هذا وتشترط الشركات المشغلة وفق عمال التقتهم SonFM امتلاك دراجة نارية مرخصة ومؤمنة ووصل خلاص معاليم الجولان وهاتف ذكي لتشغيل التطبيق إلى جانب ألف دينار اعتراف بالدين يتم دفعه للشركة مقابل حقيبة المأكولات التي تحمل اسمها وشعارها، بمعن رأسمال "تتحكم فيه هي"، في المقابل لا تدخر جهدا في إعداد عقود تحفظ كرامة العامل، كما لا تعترف بأي عطب يمكن أن يحدث في حال تعرض العامل إلى حادث مرور أو عطب في الدراجة خلال ساعات العمل.
ويؤكد حمزة أن ساعات العمل الطويلة هي من تحدد قيمة الأجر قائلا سعر طلب التوصيل نتقاضى عليه 4 دنانير "ما تخدمش ما تخلصش" أحيانا أعمل طيلة 10 ساعات، أوصل خلالها 10 طلبيات فأجني 40 دينارا دون احتساب مصاريف التنقل ومستحقات الوسيط.
في المقابل ورغم الخطر الكبير الذي يتعرضون له لا يبالي عمال توصيل الأكل بانعكاسات العقود الهشة التي لا توفر لهم تغطية اجتماعية ولا تأمين على مستقبلهم الغير واضح بالأساس.
تطبيقات متهربة وتشريعات ضعيفة
تقول المحامية ألفة بن عبد الحفي لـ SonFM تخشى هذه الشركات الإعلان عن العدد الحقيقي لعمالها بهدف التهرب من دفع مستحقات صندوق الضمان الاجتماعي والضرائب في المقابل يجد الشاب نفسه مجبرا على العمل بسبب ظروفه الاجتماعية القاسية، لذلك نجد جلهم كي لا نقول كلهم يعملون وهم راضون عن عقودهم المخالفة للقانون.
وتؤكد بن عبد الحفي أن مكاتب المحاماة في تونس باتو يرفعون قضايا عدة تعلقت بالأضرار الصحية والمالية التي تعرض لها عمال التوصيل أثناء عملهم، وواجهوا صعوبات جمة في إثبات انتمائهم لهذه الشركات بسبب غياب سند قانوني يثبت ذلك، الأمر الذي دفعهم للبحث عن شهود من الحرفاء إلى جانب عرض حساباتهم في تطبيق التوصيل على القضاء للاثبات، وتفسر تفاقم آلية التشغيل غير القانوني بقصور تفقدية الشغل ومصالح المراقبة الاقتصادية عن أداء مهامها.
قطاع توصيل الأكل السريع، نظامي لكنه غير منظم، يفتقر إلى حماية اجتماعية وصيغة تعاقدية تحترم الحد الأدنى من حقوق العمال وخاصة لتنظيم ديمقراطي اجتماعي، هكذا وصف الباحث في علم الاجتماع سفيان جاب الله القطاع في حواره مع SonFM.
ويشير بن جاب الله إلى أن استقالة الدولة من مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والبيئة القانونية الضعيفة دفعت الشباب إلى القبول بصيغ العمل الهشة وشجعت هذه "الشركات" على استغلالهم، هذا ودعا الباحث في علم الاجتماع السلطة الحالية إلى تشخيص واقع المهنة والبحث عن حلول قانونية تجبر الشركات أو التطبيقات على ابرام عقود تضمن كرامة العامل.
وإلى حد الآن لم يتفطن المشرع إلى عمال "الديليفري" ليسن قانونا ينظمهم، فيما يفسر بن جاب الله ذلك بأن السلطة الحالية لم تر في هذه المهنة شعارا شعبويا إنتخابيا.