تشهد قابس حراكًا بيئيًا ، حيث يتصاعد الغضب الشعبي رفضًا لمشاريع صناعية تهدد البيئة والصحة العامة. شباب، صيادون، مزارعون، نقابيون ومنظمات مجتمع مدني، جميعهم اصطفوا في صف واحد دفاعًا عن حقهم في بيئة سليمة وحياة كريمة.
منذ 2011، تعتبر قابس من أكثر المناطق التي أسست لحراك بيئي شعبي حقيقي. واليوم، مع تصاعد القرارات الحكومية الأخيرة، وعلى رأسها مشروع النقل الهيدروليكي للفوسفاط وإلغاء تصنيف مادة الفوسفوجيبس ضمن المواد الخطرة، عاد صوت الشارع قابسيًا أكثر قوة، رافضًا كل محاولات الالتفاف على مطالبه التاريخية وأهمها تنفيذ قرارات 2017 وإغلاق المجمع الكيميائي.
احتجاج على تجاهل الديمقراطية القاعدية
خير الدين دبية، رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقابس، أكد أن الدولة ماضية في رفع منسوب التلوث عبر مشاريع خطرة دون العودة إلى الأهالي، معتبراً أن تغييب التشاور الفعلي معهم "إهانة مباشرة للكرامة الشعبية". وشدد دبية على أن مبدأ تواصل الدولة يفرض على الحكومات احترام القرارات السابقة لا تجاوزها أو التنصل منها.
وصف دبية وزارة الصناعة بـ"عش الدبابير"، حيث تتحكم مجموعة ضيقة في مصير منطقة بأكملها، وتتخذ قرارات مصيرية بعيدًا عن إرادة المواطنين، من بينها برمجة معمل جديد للأمونياك رغم الكوارث الصحية التي خلفتها منشآت مماثلة في السابق.
كما عبر عن استغرابه من غياب أي تواصل رسمي منذ 2019، متسائلاً عن دور اللوبيات الخفية وتأثيرها على توجيه السياسات الطاقية والبيئية داخل الوزارات.
سياسات استعمارية جديدة تحت غطاء الانتقال الطاقي
من جهته، حذر عزيز الشابي، عضو حراك "Stop Pollution"، من أشكال استعمار حديثة تتغلغل في السياسات الطاقية لدول الجنوب. وأشار إلى أن وجود شعار وكالة التعاون الألماني GIZ على الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر يكشف مدى هيمنة السياسات الأجنبية على الخيارات الوطنية.
وانتقد الشابي تسارع الاتفاقيات مع شركات عالمية مثل بطريقة غير عادية، متهماً الجهات الداعمة للانتقال الطاقي بأنها الأكثر تسببًا في التلوث، ومعتبرًا أن الأرقام المعلنة حول فرص الشغل مغلوطة وتهدف لتضليل الرأي العام.
وحذر من أن مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة قد تتحول إلى آلية جديدة لتكريس التبعية لدول الشمال، على غرار الاستغلال الفلاحي السابق، مشدداً على أن التنمية الموعودة لن تخدم المواطن التونسي بل ستزيد من تهميشه.
فساد ومصالح ضيقة تتحكم في القرار
عاد دبية ليدين ما أسماه "الاحتكار المعلوماتي والإداري" داخل وزارة الصناعة، متهماً مسؤولين بعلاقات مصلحية وعائلية مشبوهة تتحكم في التوجهات الكبرى دون محاسبة. وأكد أن هذه الممارسات تجد غطاءً سياسياً يحميها من المساءلة رغم الرفض الشعبي والبرلماني الواسع، حيث عبر 86 نائبًا عن معارضتهم للمسار الحالي.
دعوة إلى يوم الغضب الوطني
استعدادًا للرد على هذه السياسات، دعا حراك "Stop Pollution" وكافة القوى التقدمية إلى المشاركة في الوقفة الاحتجاجية السلمية المقررة يوم 24 أبريل 2025 أمام وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، تزامنًا مع اليوم العالمي للشباب المناهض للإمبريالية والاستعمار. وسترفع خلال التحرك شعارات رافضة للاستعمار الطاقي ومطالبة بسيادة بيئية وطنية حقيقية.
وأكد الناشطون أن معركة قابس لا تخص فقط سكانها، بل تعبر عن معركة كل التونسيين من أجل الحق في بيئة نظيفة، خدمات عمومية متطورة، وسياسات تضع المصلحة الوطنية فوق كل الحسابات.