وصف سفيان الوريمي، الأستاذ الجامعي والمستشار المالي والبنكي، العلاقة بين التونسيين والبنوك بأنها "متوترة وتصادمية"، مؤكّدًا أن فقدان الثقة يعود إلى _" _غياب الفهم الحقيقي لحقوق وواجبات الحرفاء"، إضافة إلى _"تعقيد المنظومة التشريعية البنكية" و"ضعف التواصل المؤسساتي"
تشريعات معقدة وموظفون غير ملمين
في تصريحاته لـSon FM، أوضح الوريمي أن "المواطن يجد صعوبة في فهم الخدمات البنكية بسبب التعقيد القانوني"، مشيرًا إلى أن _"الفراغ المؤسساتي في شرح القوانين البنكية يزيد الطين بلّة". وأضاف: "حتى أعوان البنوك أنفسهم لا يُلمّون دائمًا بهذه التشريعات، مما يخلق نوعًا من الضبابية والإرباك في العلاقة بين الطرفين".
وتابع قائلاً: "رغم صدور لائحة سنة 2024 تلزم البنوك بإعلام الحرفاء بشكل واضح بالمنتجات المالية قبل أي التزام، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يظل جزئيًا وضعيفًا، ما يعمّق أزمة الثقة"._
ضعف الرقابة وتهميش الوساطة
وأشار الوريمي إلى أن البنك المركزي "لا يلعب الدور الرقابي المطلوب منه بالشكل الكافي "، كما انتقد " غياب الآليات الفعالة لتظلم الحرفاء "، على غرار الوسيط البنكي، مؤكّدًا أن المواطن "يبقى في عزلة قانونية ومعلوماتية عند مواجهة مشاكل مع البنوك".
قروض غائبة ومؤسسات مخنوقة
وفي ما يتعلق بالقروض، صرّح الوريمي بأن "عديد المؤسسات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، تجد نفسها عاجزة أمام شروط البنوك "، مذكّرًا بدراسة للمعهد التونسي للدراسات الكمية التي أظهرت أن " _أكثر من 75% من المؤسسات التونسية تواجه صعوبات في النفاذ إلى التمويل ".
وأضاف أن "البنوك تفرض ضمانات معقدة وغير مناسبة"، كما " تمتنع أحيانًا عن تمويل مهن معينة كالمهندسين، بسبب ما تعتبره مخاطرة مالية"، واعتبر أن _"هذا التوجه يُكرّس اللاعدالة ويخنق روح المبادرة الاقتصادية ".
إصلاح الشيكات وتراجع الثقة
وحول إصلاح منظومة الشيكات، قال الوريمي إن "القانون الجديد جعل من الشيك وسيلة غير مضمونة للتمويل، بعد أن كان أداة رئيسية للمعاملات "، مشيرًا إلى أن " التشديدات الجديدة منعت استعمال الشيكات دون تغطية، ما أدى إلى تراجع المعاملات بشكل كبير".
وأضاف: "اليوم، نجد مواطنين في السجون بسبب شيكات دون رصيد"، داعيًا إلى "إقرار عفو مالي جزئي يُعيد آلاف الحرفاء إلى الدورة الاقتصادية".
السيولة النقدية تطغى
وفي تعليقه على حجم الأموال المتداولة خارج القطاع البنكي، أكّد الوريمي أن "السيولة في تونس بلغت قرابة 25 مليار دينار، ما يُشير إلى أن الثقة في البنوك ما تزال ضعيفة"، لافتًا إلى أن "75% من المعاملات عبر البطاقات البنكية تقتصر على سحب الأموال، لا الدفع".
واعتبر أن "المواطن التونسي ما زال يُفضّل المعاملات النقدية بسبب غياب ثقافة مالية واضحة، وعدم اقتناعه بسلامة الوسائل الرقمية".
الحسابات غير النشطة ونقص الإعلام
وتحدث الوريمي عن مشكل الحسابات البنكية غير المستعملة، قائلاً إن "الحسابات التي لم تُستعمل خلال 15 سنة تُحوّل إلى خزينة الدولة، دون إعلام فعلي للحريف"، مشيرًا إلى أن "400 ألف حساب تم إدراجها في الرائد الرسمي دون أن يكون للحرفاء أي وسيلة عملية لمعرفة مصير أموالهم".
وأضاف: "في بلدان مثل فرنسا، يستطيع المواطن التحقق إلكترونيًا من حساباته، لكن في تونس، العملية معقدة وغير متاحة للجميع".
دعوة لإصلاح شامل
وفي ختام تصريحاته، شدد سفيان الوريمي على "الحاجة إلى إصلاح شامل للمنظومة البنكية"، داعيًا إلى:
تبسيط القوانين البنكية،
تفعيل دور الوسيط البنكي،
إطلاق منصات إلكترونية شفافة لفائدة المواطنين،
تعزيز الثقافة المالية لدى الأفراد والمؤسسات.
وختم الوريمي بالقول: "دون إصلاح حقيقي، ستظل البنوك التونسية عاجزة عن لعب دورها الطبيعي كمحرك للنمو والاستثمار، وسيتواصل عزوف المواطن عن التعامل البنكي في ظل شعور دائم بالريبة والتهميش".