شهدت تونس في السنوات الأخيرة واحدة من أبرز القضايا البيئية التي أثارت جدلًا واسعًا على المستويين المحلي والدولي. قضية توريد النفايات الإيطالية لم تكن مجرد ملف قضائي، بل رمزًا للانتهاكات البيئية والإدارية التي تطال سيادة البلاد. وبعد مسار طويل من التحقيقات والتقاضي، أصدرت محكمة الاستئناف في تونس أحكامها التي تفاوتت بين الإدانة والبراءة، ليغلق بذلك فصل من فصول هذه القضية التي هزت الرأي العام التونسي منذ عام 2020.
أحكام قضائية متباينة
أعلنت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف حكمها في القضية بعد جلسات مطولة. وقد صدر قرار بعدم سماع الدعوى في حق وزيرين سابقين للبيئة، مصطفى العروي وشكري بلحسن، بينما حُكم على صاحب الشركة الموردة بالسجن لمدة 20 عامًا، كما أدين متهم ثان بعشر سنوات سجن، وحُكم على اثنين آخرين بالسجن لمدة ثلاث سنوات لكل منهما، من بينهما محامٍ. هذه الأحكام كشفت عن شبكة من العلاقات المتشابكة بين مسؤولين حكوميين وإطارات من الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ووزارة الداخلية.
تفاصيل القضية ومسارها
القضية بدأت في عام 2020 عندما تم الكشف عن استيراد نفايات خطرة من إيطاليا بطريقة غير قانونية، ما أثار موجة غضب شعبي كبير. تم توجيه التهم لـ26 شخصًا في البداية، شملت "تكوين عصابة مفسدين"، و"التوريد الممنوع لنفايات خطرة"، و"استغلال موظف عمومي لصفته".
ورغم محاولات طمس القضية، استمرت التحقيقات حتى توصلت السلطات التونسية إلى اتفاق مع الجانب الإيطالي لإعادة تصدير النفايات في فيفري 2022.
أبعاد القضية وتأثيرها
هذه الفضيحة كشفت ضعف الرقابة على العمليات البيئية وشبهات الفساد الإداري التي قد تتورط فيها جهات نافذة. كما أن توريد النفايات بهذه الطريقة يعد انتهاكًا للقوانين الوطنية والدولية، ويشكل خطرًا بيئيًا جسيمًا على صحة المواطنين.
قضية النفايات الإيطالية ليست مجرد حدث عابر في التاريخ التونسي، بل هي درس مهم يبرز أهمية تعزيز منظومات الرقابة والمساءلة القانونية، خاصة في الملفات التي تمس السيادة الوطنية. وعلى الرغم من صدور الأحكام القضائية، يظل السؤال مطروحًا: هل ستتمكن تونس من منع تكرار مثل هذه الانتهاكات؟ أم أن الطريق نحو إصلاح المنظومة البيئية والإدارية لا يزال طويلًا؟