قال كاتب عام جمعية قرطاج للصحة، الدكتور يوسف بليّش، أثناء استضافته في برنامج Pause Café، يوم الأربعاء 24 ماي 2023، إنّ تونس اليوم تعاني من إشكال كبير في التغطية الصحية، في ظل غياب استراتيجيات الوقاية وعدم ضمان الوصول إلى الخدمات الصحية.
وأكّد الدكتور بليّش أنّه لا يجب انتظار المرض لنعالجه وإنما الجزء الأهم في قطاع الصحة هو الوقاية وتلافي الأمراض.
وشخص بليّش الوضع الصحي متحدثا عن نقص الأدوية والبنية التحتية التي وصفها بالكارثية في المستشفيات العمومية مؤكدا أنّ المؤسسات الإستشفائية في خطوطها الثلاث، من المستوصف حتى للمستشفيات الجامعية، تعاني من نقص فادح في الإطار البشري والمعدات وتعاني من سوء حوكمة كبير، وفق تعبيره.
وقال الكاتب العام لجمعية قرطاج للصحة، أنّ تونس بعد الاستقلال اهتمت بمجالي التعليم والصحة ونجحت في إرساء توزيع جغرافي للمؤسسات الإستشفائية، لكن البلاد لم تواصل الاشتغال على ذلك ولم تطوره ولم تحقق تقدما باعتبار أنها تخلت عن دورها وفق قوله.
وانتقد الدكتور المنظومة الصحية بداية من تمويلها في علاقة بصناديق التغطية الاجتماعية CNSSو CNRPS والصندوق الوطني للتأمين على المرض .CNAM
واعتبر الطبيب أنّه إذا واجه الصندوق الوطني للتأمين على المرض أية مشاكل فإن ذلك ينعكس على المنظومة بأسرها، باعتبار أنّ الصيدلية المركزية والمستشفيات لن يجدا التمويلات الكافية. وبالتالي، فإنّ المريض لن يجد الدواء لاحقا مما يضطره لدفع معاليم باهظة للعلاج وشراء الأدوية مما ينجر عنه صعوبات اقتصادية واجتماعية أو حتى صحية في حال عدم التمكن من شراء العلاج وهذا يضاعف تكلفة التداوي.
أمّا عن نقص الأدوية، فإنّ ضيف البرنامج اعتبر أنّه مرتبط بالاستيراد كباقي المواد التي شهدت فيها البلاد نقصا كمنتوج السكّر، رغم أنّ الصيدلية المركزية تعدّ حسابيا رابحة لكن فعليا لايمكنها أن تشتري الأدوية من المزودين.
وأوضح محدثنا أنّ نقص الأدوية موجود في الأدوية المستوردة، باعتبار أنّ تونس تنتج حوالي 70 بالمائة من الأدوية الموجودة في الصيدليات، لكنّ خروج عدد من مخابر الأدوية العالمية ساهم في تفاقم المشكلة نظرا لعدم تقاضيهم أجرة الدواء من الصيدلية المركزية التي بدورها لم تتقاضى أجرتها من المستشفيات، وهذا يعود بالأساس إلى إشكال توزيع التمويلات في الصندوق الوطني للتأمين على المرض، الذي يتوزع منخرطوه كالآتي: ثلثان في المنظومة العمومية وثلث واحد في المنظومة الخاصة واسترجاع المصاريف، في حين أنّ مصاريف الصندوق تتوزع بالعكس، بحساب ثلثي المصاريف تتجه للقطاع الخاص في حين لا تحظى المنظومة العمومية إلاّ بثلث واحد وهذا "غير معقول"، وفق تعبيره، معللا كلامه بأن ذلك يدل على أنّ الفقير ينفق على الغني وهذا ضد مبدأ التضامن الاجتماعي ويعدّ إشكالا "فضيعا" في الحوكمة على حدّ قوله باعتبار أنّه يفترض أن يكون هناك فائضا وفقا للديموغرافيا التونسية.
واستنكر الدكتور بليّش تحديد الصندوق الوطني للتأمين على المرض المستشفيات العمومية بسقف معين للتمويل في حين لا يشمل ذلك المصحات الخاصة، وهذا ما يفسر تطور المؤسسات الصحية العمومية بنسبة 2 بالمائة فقط في حين بلغت نسبة تطور المصحات الخاصة 36 بالمائة تقريبا. كما اعتبر محدثنا بذلك أنّ أموال التضامن الاجتماعي تتجه للمنظومة الخاصة أساسا، وهو ما خلق خللا، ناهيك عن أنّ تعمّق الأزمة يعود إلى أنّ CNSS لا تحصل على تمويلاتها من بعض الشركات و CNRPS أحيانا لا تلتزم بالدفع وهذا ما يفسّر العجز الذي يشهده الصندوق الوطني للتأمين على المرض.
وفي حديثه عن نقص أطباء الاختصاص في الجهات، قال ضيف البرنامج، إنّ ذلك يعود إلى تمركز المستشفيات الجامعية في المدن الكبرى وتجميد الانتدابات من قبل الدولة وهجرة الأطباء وغياب التحفيز والدعم والبنية التحتية للمستشفيات الجهوية، وأرجع الطبيب ذلك للمنوال التنموي لكامل البلاد الذي يهمش هذه المناطق على حساب مناطق أخرى وفق تعبيره.
وأكد يوسف بليّش أنّه يجب الاشتغال على ديمغرافيا المرض في تونس، وعلى الوقاية وعلى إجراءات بسيطة كالتخفيض من نسبة الملح في الخبز باعتبار أنّ الأمراض المهيمنة في تونس هي أمراض ضغط الدم والسكري والتي يمكن تلافيها بتسهيل النفاذ إلى الأطعمة الصحية وتوفير مساحات خضراء لممارسة الرياضة ورسم منوال تنموي شامل وتحديد السياسات العامة والحوكمة الرشيدة وإعادة تقسيم التمويل ومساهمة الدولة في التضامن الإجتماعي والتأمين على المرض باعتبار أنّ النظام الصحي لا يمكن أن يصمد إذا اشتغل فقط على مبدأ العلاج. وأضاف ضيف برنامج Pause Café أنه من الضروري فتح باب الانتدابات والعمل على تقوية الخط الأول في العلاج (المستوصف) وذلك وفقا للدراسات ولتوصيات منظمة الصحة العالمية، وهذا من شأنه أن يجنبنا الاكتظاظ والمواعيد البعيدة والتي تجعل المريض ينتظر لأشهر ليحصل على التشخيص المناسب ثم العلاج.
وقال الدكتور أنّ الشركات يمكن أن تساهم بتحفيز عمّالها على على ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى العمل على توفير تهيئة عمرانية تتناسب مع الجانب الصحي للسكان. ونوّه ضيف البرنامج إلى أنّه من الضروري أن يعمل كل شخص من موقعه في شتّى المجالات للنهوض بقطاع الصحة وتحسين التصرف في المؤسسات الاستشفائية والرصيد البشري.
وفي حديثه عن جمعية قرطاج للصحة قال ضيف البرنامج إنّ مهمتها الأساسية هي حشد الناس والأفكار في إطار متعدد الإختصاصات للبحث والمناصرة من أجل تعزيز حوكمة الصحة، لأنّ ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على نتائج طيبة على غرار البلدان المتقدمة.
وقال كاتب عام الجمعية أنّه تم الاشتغال على "صحافة الصحة" نظرا لوجود بعض المشاكل في التعامل مع المواضيع الصحية التي قد تُخلّف مشاكل عامة، وذلك عن طريق تكوين صحفيين وإطارات طبية في عدد أول من أكاديمية الصحة المفتوحة التي تعدّ التجربة الأولى من نوعها في تونس بشراكة مع أكاديمية دوتشيه فيلله، بالإضافة إلى الاشتغال على "موك" للوطن العربي في مجال صحافة الصحة.
علما وأنّ العدد الثاني لهذه الأكاديمية سيكون في شهر جوان القادم والتسجيل مازال مفتوحا للصحفيين والطلبة.
وتحدّث بليّش عن منصةopenhealth.tn الموجهة للصحفيين وللعموم والتي تهدف إلى نشر المعلومة الصحية والمعلومة التي تخص حوكمة الصحة في إطار دعم صحافة الصحة ذات الجودة التي تراهن على إيصال المعلومة الدقيقة بصفة سلسة باعتبار أنّ انتشار المعلومات المغلوطة من شأنه أن يؤدي إلى المشاكل أو إلى تعطيل المسار. كما أنّ الجمعية تشتغل على مشاريع أخرى متنوعة في البحث والمناصرة في قطاع الصحة.