قالوا بصوت واحد لـ SonFM جئنا فارين من الجهاديين في بوركينا فاسو ونيجيريا والكوت ديفوار والدولة الإسلامية غرب أفريقيا والصراع في السودان ومالي والتشاد … فارين من الحروب لا نية لنا بالاعتداء على سيادة تونس أو تغيير تركيبتها الديمغرافية، نحن نقر بأن تواجدنا غير قانوني … لكننا مسالمون، نحن هنا لأن بلادنا غير آمنة.
على أسوار جامع "سيدي علي اللخمي" وتحت أشعة الشمس التي تتجاوز 45 درجة، ينتظر مئات المهاجرين الحرس الوطني لنقلهم إلى الحدود الليبية، وفق شهاداتهم.
جون جاك صاحب الثلاثين عاما ذو الجنسية البينية قال باقتضاب: "زارنا رئيسكم فاستبشرنا خيرا … ظننا أن أحوالنا ستتحسن … ها نحن الآن مطرودون من منازلنا معنفون مضطهدون، لم تتدخل دولتكم لنجدتنا. مهاجر آخر يردد من بعيد: ”زوجتي قتلت مختنقة بغاز شرطتكم المسيل للدموع خلال مداهمة منزلنا إن قسوتهم لا تلين … تقاطعه مارلين بالقول" لا نريد العيش في تونس افتحوا لنا الحدود البحرية إلى جزيرة "لامبيدوزا" إيطاليا هدفنا الأوحد. "
مهما كانت شدة المخاطرة، علاجهم يتمثل في العبور إلى جزيرة" لامبيدوزا "الإيطالية. يرون أن البحر الأبيض المتوسط وخفر السواحل التونسي هما الحاجزان الوحيدان بينهم وبين أحلامهم...
هنا لتستقر الخرطوم
سرعان ما وصلت جحافل الفارين من فتيل الصراع في السودان إلى تونس، جاعلين من مدينة صفاقس مستقرا لهم … الولاية التي أضحت ميناء، عبره عبر وأعيد آلاف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
داخل" القرية "حديقة قرب" المدينة العربي "لها أسوار قديمة، يقبع حوالي 500 سوداني تحت أشجار صغيرة متباعدة المسافة لم ترث الظلال، تنبعث منها رائحة البول والعفن.
يقول بابا بولس المتحدث المفوض باسم السودانيين في الولاية: ”نحن متواجدون في صفاقس لحوالي ثلاثة أشهر لم تقدم لنا أي منظمة دولية لحماية حقوق الإنسان أو اللاجئين أو المهاجرين أي خدمة … نبيت في العراء على الكراتين ونأكل من فضلات سوق الخضر".
بعد تصاعد المواجهات بين الأهالي والمهاجرين وتعرض 15 سودانيا إلى النهب والاعتداء بالعنف الشديد، قرر السودانيون توكيل شؤونهم الجماعية الصحية والغذائية والأمنية، لثلاثة سودانيين بالإجماع … يواصل بابا بولس الحديث: ”أمام تنامي الرفض الشعبي لتواجدنا في صفاقس ووجود 35 مريضا في صفوفنا ونحن دون مأوى، أصبحت الوحدة والتكاتف حتمية من أجل البقاء... "
يختم بابا بولس حديثه:" نطالب المنظمات الدولية التي تترأسها الدول العظمى بإغاثتنا وإجلائنا نريد ملامسة الإنسانية التي ترعاها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، إعلامكم المحلي لا ينقل الحقيقة كما هي بل كما يريدها... "
الشرارة الأولى
يشير الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع صفاقس الشمالية علي الهمامي، أنه قبل مقتل شاب على يد أفارقة بأسابيع بدأ الوضع في الولاية بالتوتر حيث أصبح السكان المحليون يتهمون الأفارقة بتهديد جمالية المدينة وتقليص فرصهم في الحصول على المواد الغذاء الأساسية المفقودة بالأساس، بالإضافة إلى مساهمتهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعار الإيجار نظرا إلى تنامي الطلب على الشقق.
ليلة 03 من جويلية 2023 عقب مناوشات بين الأهالي والمهاجرين لقي شاب أصيل ولاية صفاقس حتفه طعنا على يد أفارقة من جنوب الصحراء في المنطقة الصناعية طريق المهدية.
قدرة الأهالي على التحمل لم تقاوم طويلا وسرعان ما أضرمت هذه الحادثة نيران الغضب المحلي …
يقول الهمامي، عقب هذه الحادثة، بدأ يظهر خطاب كراهية يحمل مسؤولية مقتل الشاب لجميع الأفارقة بنزعة تحريضية تهدف إلى" تطهير الولاية من وجودهم ". لتغزو مواقع التواصل الاجتماعي في تونس فيديوهات لمواطنين يطردون المهاجرين من منازلهم ويعتقلونهم ويقمعونهم باستعمال العصي والحجارة والحبال" كأمن مواز ". مطالبا القضاء بالتحرك العاجل ومحاسبة الصفحات الفايسبوكية التي تدعو إلى التطهير والقتل والعنف على أساس القانون عدد 2018 المتعلق بمقاومة التمييز والعنصرية.
في الأثناء يقول عماد 32 سنة صاحب محل تجاري في منطقة الحفارة" يقطنها عدد كبير من مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء "لـ SonFM:" عقب مقتل الشاب، قرر المؤجرون بضغط شعبي طرد جميع المهاجرين في منطقة الحفارة والشيشمة وحي الحبيب ومنزل شاكر باستثناء القانونيين والمسلمين، الذين أبقي عليهم بضمانات كعدم الخروج ليلا والتزام الآداب... "
في المقابل، أكد الناطق الرسمي باسم محكمة صفاقس واحد فوزي مصمودي ، لـ SonFM أن عدد القضايا المتعلقة بمهاجرين غير نظاميين لا يمكن حصرها في ولاية صفاقس حيث ارتفعت وتيرتها عقب الأحداث الأخيرة معلنا عن وجود 40 قضية تكوين وفاق اجتياز الحدود خلسة.
عنف متبادل
تتعدد مواقف السكان المحليين في صفاقس من تواجد المهاجرين غير النظاميين.
يقول عماد:" في الآونة الأخيرة أصبحت المقدرة الشرائية للمهاجرين الأفارقة أقوى من المقدرة الشرائية للصفاقسي حيث باتوا قادرين على شراء موادهم الأساسية بأسعار مرتفعة كما أصبحوا قادرين على تأجير منازل تفوق أسعارها 800 دينار... مستلزمات لم تقدر على توفيرها العائلات التونسية، بعد أن جعلوا من منزل شاكر محطة لتجارة المخدرات. ".
يقول محمد رجل ثمانيني نطالب بترحيل" الوصفان "لقد أصبحت صفاقس كولاية في السنغال، لماذا يقوم خفر السواحل بإرجاعها إلينا عند إعتراض قواربهم؟ لماذا لا يتركونهم يرحلون؟ … لقد أصبحوا عنيفين ومخيفين، أضحينا نمنع نساءنا من الخروج ليلا خوفا عليهن.".
في المقابل، يؤكد سائق أجرة قابلناه في "الحفارة" أن سائقي سيارات الأجرة الفردية والجماعية وأصحاب المحالّ التجارية وأصحاب الشقق في صفاقس باتوا يسترزقون من المهاجرين: "يتقاضى سائقو الأجرة من 05 إلى 10 دنانير عند نقل الأفارقة مقابل السعر المحدد بدينارين … التجار يبيعون المواد الغذائية الأساسية المفقودة للأفارقة بأسعار مرتفعة جدا حيث يبيعونهم الكلغ الواحد من السكر المسعر ب 5 دنانير عوضا عن 2650 مليما.".
"عالقون" على الحدود
يقول بابا بولس المتحدث المفوض باسم حوالي 500 سوداني في الولاية، إن جهة أمنية رسمية أمهلتهم ساعة مساء 06 من جويلية 2023 للتشاور الجماعي حول مقترح ترحيلهم إلى المنطقة الحدودية مع ليبيا "رأس جدير" قائلة ستكون منطقة أكثر أمانا لكم، واعدة بتوفير الصحية والغذاء والمأوى وربما الأعمال. "
في المقابل، تقول الرابطة إنها ترفض سياسة إيواء المهاجرين في الخيام لكن المهاجرين على الحدود التونسية الجزائرية والليبية، لم يجدوا أشجارا لكي يحتموا بها من حر أشعة الشمس والتي تصل في الجنوب التونسي إلى 45 درجة وفق الصورة التي نقلها كاتب عام الهلال الأحمر بالهيئة المحلية بالكرم إبراهيم بالنصر.
وأشار بالنصر:“ عثرنا عليهم على الحدود الجزائرية في ولايتي توزر وقفصة بالإضافة إلى الحدود الليبية في ولاية مدنين، دون خيام، معرضين لأشعة الشمس الحارقة في الصحراء، صغارهم جياع ومرضى، على وجوههم آثار الذعر والخوف …".
في نسبية تطبيق المعاهدات
وفق الخبير الأممي في ملف الهجرة، حسن الببكري، اقتصاد الحرب في ليبيا وشبكات الاتجار بالبشر في الجزائر هي المسؤولة على تفاقم عدد المهاجرين غير القانونيين في تونس.
ويقول الببكري، يدّعي الخطاب الرسمي أن تونس لم ولن تكون حاميا لحدود أي بلد لكنها موقعة مع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "شراكة من أجل حرية التنقل" والتي تسعى من خلالها أوروبا إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتأمين حدودها بوتيرة سريعة، لهذا فتونس ملزمة بمنع اجتياز حدودها خلسة، مقابل تلقيها المال، وهو ما يفسر نجاحها في إرجاع 23 الف مجتاز خلال الـ 06 أشهر الأولى من هذا 2023.
ويرى الخبير أن المنظمات الأممية المتواجدة في تونس كالمنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمفوضية السامية لحقوق الإنسان لم تضطلع بدورها المضبوط في ميثاقها وقانونها الأساسي. فعلى سبيل المثال عند تقديم المهاجرين غير النظاميين لملف طلب اللجوء تصبح المفوضية شؤون اللاجئين مطالبة بتوفير المسكن والغذاء والصحة واجبات نادرا ما تقوم بتوفيرها.
يذكر أن تونس وقعت سنة 1979 على اتفاقية جنيف، بالملحق الإضافي الأول والثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية وغير الدولية المسلحة بالإضافة إلى الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين والتي تقر بحق اللجوء وحماية اللاجئين، اتفاقيات لم تلتزم الدولة بتنفيذها وفق خبراء.
ما بعد "تعليقهم" على الحدود
عقب وصول مئات المهاجرين على طول الخط الحدودي الفاصل بين تونس وليبيا في رأس جدير والمنطقة العسكرية العازلة، أطلقت تونس وليبيا في 07 من جويلية 2023 مشاورات على مستوى وزراء الداخلية والخارجية، حول إدارة ملف الهجرة غير النظامية في إطار التعاون الثنائي وتبني سياسة مشتركة للتصدي للتسلل غير القانوني عبر حدود البلدين. ولم توضح بعد الجهات الرسمية في تونس مصير جحافل المهاجرين المتواجدين على الحدود التونسية مع ليبيا والجزائر.
في هذا الإطار، رأى الخبير الأممي أن خطوة ترحيل المهاجرين إلى الحدود وإطلاق المفاوضات مع ليبيا تؤسس إلى اتفاق سيشدد المراقبة على الحدود كما يرمي إلى ترحيل المهاجرين الذين دخلوا تونس بطرق غير قانونية من ليبيا قسرا إلى طرابلس التي تملك حدود مباشرة مع تشاد والنيجر والسودان والجزائر ومصر.
وهو ما يتناقض مع اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان والهجرة واللجوء، والتي وقعتها تونس منذ سنوات.