قالت الكاتبة والخبيرة في الشؤون الاقتصادية جنات بن عبد الله خلال مداخلة لها في برنامج "عالطاولة" إن هناك توجها خفيا من قبل السلطة الحالية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي رغم عدم التصريح بذلك، مؤكدة أنه لا خيار لتونس للخروج من أزمتها الاقتصادية سوى صندوق النقد الدولي.
وأضافت بن عبد الله أن قانون المالية لسنة 2024 أخذ بعين الاعتبار نفسية المواطن التونسي وخيارات رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي ما فتئ يؤكد أن تونس لن تقبل بالإملاءات، وقالت صحيح أن دباجة قانون المالية لسنة 2024 قد ركزت على الدور الاجتماعي للدولة ولم تذكر صندوق النقد الدولي، عكس ميزانية سنة 2023 والتي بنيت على فرضية التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق لتعبئة الموارد المالية، إلا أن الخطوط العريضة لموازنة سنة 2024 هي تطبيق ضمني لشروط الصندوق.
هذا وتقوم القواعد الأساسية لبرنامج صندوق النقد الدولي للإصلاحات الهيكلية على تجميد الانتدابيات والأجور في الوظيفة العمومية، ورفع الدعم على المواد الأساسية والمحروقات والترفيع في الضرائب مقابل تحرير المبادلات التجارية والتفويت في المؤسسات العمومية.
وفسرت بن عبد الله ذلك بالقول تضمن قانون المالية لسنة 2024 تخفيضا لكتلة الأجور إلى 13.5 % مقابل 14.4 % سنة 2023، كما نص على إحداث آليات جديدة لتعبئة وتقليص نفقات الدعم، بالإضافة إلى أنه لم يحدد مصدر الـ 10 مليار دينار من نفقات الدولة المتأتية من الاقتراض الخارجي واكتفى بالإشارة إلى أنه سيقع تعبأتها عبر "قروض أخرى"، وهو ما يقيم الدليل على استمرارية التفكير في صندوق النقد الدولي، خاصة وأن الدولة لن تلجأ إلى السوق المالية العالمية بسبب ضعف ترقيمها السيادي والذي سيضخم من نسبة الفائدة ويعطل نفاذ القرض، على حد وصفها.
هذا وأبقت الدولة في موازنتها على نسبة الدعم في حدود 11 مليار دينار ورفعت من نسبة الضرائب وفرضت ضرائب على البنوك والمؤسسات المالية والتأمين بنسبة 4 % من الأرباح المحتسبة على ضريبة المؤسسات.
وتقدر حاجيات تونس من الاقتراض وفق الخطوط العريضة لقانون المالية لسنة 2024 ب 28.708 مليار دينار منها 16.445 مليار دينار إقتراض خارجي مقابل 11.743 مليار دينار إقتراض داخلي.
وتنقسم الـ 16.445 مليار دينار من الإقتراض الخارجي إلى حوالي 6 مليار دينار من صندوق النقد العربي والجزائر والبنك الافريقي للتصدير والاستيراد والمملكة العربية السعودية، و10 مليار دينار لم تنصص الدولة عن مصادر تعبئتها.
وخفف صندوق النقد الدولي في بداية عام 2022 القرض المطلوب من تونس إلى أقل من النصف، أي من 4 مليارات دولار إلى 1.9 مليار دولار، غير أنه ورغم التوصل إلى إتفاق مبدئي على مستوى الخبراء للإقراض، إلا أن خطابات الرئيس العنصرية ضد المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب رفضه لإصلاحة صندوق النقد التي رأى فيها مسا "بالسلم الأهلي،" ساهمت في تعثر المفاوضات وإنسدادها.
ونبهت بن عبد الله من خطورة التمويل النقدي غير المباشر على الاقتصاد الوطني والذي يساهم في ارتفاع نسبة التضخم بسبب الترفيع في الكتلة النقدية دون انتاج، خاصة أن الدولة ستقترض لتلبية حاجياتها اليومية.
وفي 17 أكتوبر 2023 أقال رئيس الجمهورية قيس سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد بعد أن أخذ التناقض بين خياراتهما أشده في علاقة بصندوق النقد الدولي، حيث يرى وزير الاقتصاد المقال أن الاقتصاد التونسي يعاني من خلل كلي يستدعي تطبيق إصلاحات الصندوق في ظل عدم وجود خيار بديل، في المقابل يؤكد الرئيس على أنه لا مجال لتطبيق إملاءات الصندوق ورفع الدعم، مشددا على ضرورة تعويل الدولة على ذاتها.