أثار رقم 2000 منقطع سنويا عن الدراسة في القصرين المنطقة الحدودية مع الجزائر جدلا واسعا في تونس، فسرته وسائل إعلام محلية بضعف التنمية وارتفاع نسبة الفقر، غير أن الأسباب المؤدية إلى هذا الرقم تبدو أعمق من ذلك بكثير، حيث تتمثل في بروز "عقلية التهريب" لدى التلاميذ بالإضافة إلى ضعف سياسات وزارة التربية، في ظل صمت رهيب لمؤسسات الدولة إما في التعامل مع التهريب كظاهرة اقتصادية تورق الاقتصاد المنظم أو إشعاعاتها وتأثيراتها السلبية على عقول تلاميذ المنطقة.
في هذا الإطار، أكد الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي مرشد إدريس لـ SonFM أن سياسة وزارة التربية المتمثلة في التخلي عن انتداب الأساتذة عن طريقة المناظرات الوطنية مقابل التعاقد مع الأساتذة النواب أصحاب الخبرة المتواضعة أثر بشكل كبير على جودة التحصيل العلمي لتلاميذ.
وأشار إدريس إلى أن أساتذة التعليم الثانوي والابتدائي الأكفاء وذوي الخبرات الوافدين من المناطق الساحلية إلى القصرين والذين سرعان ما يعودون إلى ولاياتهم الأصلية بسبب انعدام البنى التحتية، هو ما عمّق النقص الفادح في الإطار التربوي في الجهة.
هذا واحتلّت القصرين المرتبة الـ 26 والأخيرة في ترتيب المندوبيات الجهوية لتربية حسب نسبة النجاح في اختبار الدورة الرئيسية بكلوريا 2023 والتي بلغت 23.65 بالمئة.
وسجلت القصرين انقطاع حوالي 2000 تلميذ عن الدراسة خلال السنة الدراسة الماضية 2022/2023 تتراوح أعمارهم ما بين 12 سنة و16 سنة، وفق الكاتب العام للفرع الجامعي للتعليم الثانوي والتربية البدنية بالقصرين صادق المحمودي، الذي أكد أن أسباب انقطاع صغار القصرين عن التمدرس اجتماعية واقتصادية بالأساس.
هذا وتعد القصرين منطقة حدودية مع الجزائر مهمشة تتسم بتنامي ظاهرة التهريب " الكنترة " التي انتعشت منذ سنوات ما خلق اقتصاد مواز يقوم على تجارة البنزين بالأساس وسلع أخرى، وبدأ القطاع في استقطاب الشباب العاطل عن العمل وتلاميذ المدارس من العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل.
في هذا السياق، يقول مرشد إدريس إن ظاهرة التهريب في القصرين أصبحت مثالا لعمل "يقتدى" به في نظر التلاميذ الصغار، نظرا لما توفره من رخاء مالي، جعلهم يفكرون في الانقطاع عن الدراسة وامتهان " الكنترة ".
وتتذيل القصرين أيضا قائمة نسب التنمية الجهوية في تونس والذي يقيس ظروف العيش التي ترتكز على الخدمات الترفيهية والخدمات الصحية والبنية التحتية والتجهيزات الصحية بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي والديمغرافي ورأس المال البشري والوضع الاقتصادي وسوق الشغل الذي يرتكز على التنوع القطاعي لليد العاملة وطاقة استيعاب وحجم سوق الشغل، وبلع معدل التنمية 0,388 سنة 2019، وفق دراسة "مؤشر التنمية الجهوي كدليل لصياغة خارطة تنموية جديدة" للمعهد معهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية.
ويُشير مرشد إدريس إلى أن حكومات الاستقلال كرست التفاوت في التنمية بين الجهات، وساهمت في تعميقه حكومات ما بعد الثورة وهو ما يفسر إنشاء موطن شغل وحيد في القصرين بعد ثورة الياسمين وهو معمل الحلفة، رغم أن القصرين كانت من بين الولايات الأولى التي انتفضت بعد أحداث 17 ديسمبر 2010 ضد الاستبداد وضعف التنمية وقلة فرص العمل والبطالة إلا أنها ماتزال تعيش على هذا الوقع.
نشير إلى أنه في 8 سبتمبر 2023، أحيَت تونس، كسائر دول العالم باليوم العالمي لمحو الأمية، وقال وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي في تصريح إعلامي إن عدد الأميين في البلاد بلغ مليوني أمي. وأضاف أن تونس تسجل سنويا 65 ألفا منقطعا عن الدراسة معتبرا أن هذا الرقم لا يشرف تونس.