أكد الصحفي وعضو مجلس الصحافة، فطين حفصية، في تصريحاته على موجات إذاعة Son FM على المكانة المحورية التي يحتلها التعليم العمومي في تونس، معتبرًا أن وضعيته الحالية تعكس بالأساس السياسة العمومية للدولة واستراتيجيتها في هذا القطاع الحيوي.
وشدد حفصية على أن " العقل التونسي يؤمن كثيرًا بالمدرسة العمومية والتعليم بصفة عامة "، مذكرًا بأن تونس كانت من بين الدول العربية القليلة التي آمنت بمبدأ التعليم المجاني منذ مرحلة ما قبل الاستقلال. وأضاف أن الإرث التعليمي التونسي، المتمثل في مؤسسات عريقة مثل جامع الزيتونة، يعكس رسوخ التعليم في الهوية الوطنية، لكن المرحلة الراهنة تفرض الانتقال إلى تعليم تكنولوجي ورقمي، وهو ما يستدعي تحركًا استراتيجيًا وتخطيطًا متينًا من أجل ضمان تعليم جيد للأجيال القادمة.
التعليم معركة المجتمع
يرى حفصية أن التعليم في تونس يمثل "معركة المجتمع ككل "، مشيرًا إلى وجود " مشاكل قديمة جديدة " تتعلق بالاكتظاظ والانقطاع المدرسي وضعف البنية التحتية، فضلًا عن محدودية البرامج التعليمية. وأكد أن نسبة الأجور في قطاع التعليم تصل إلى ما بين 90 و95 بالمائة من الميزانية المرصودة، مما يجعل البقية مجرد "إكرامية" لا يمكن توجيهها كما ينبغي لتحسين الفضاءات التربوية، رغم الوعي المدني بأهمية صيانة المدارس ودعمها.
واعتبر أن " من المهم جدًا أن تضع الدولة استراتيجية قصيرة المدى لتحسين البنية التحتية التعليمية قبل الحديث عن تطوير الجودة التعليمية سواء على مستوى المؤسسات الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية "، مشددًا على أن الإصلاح الحقيقي يتطلب استشارة جميع المتدخلين في العملية التربوية والعائلة التعليمية عامة، مع إيلاء الدور الأساسي للمختصين والخبراء في وضع الخطط والمناهج.
العدالة التربوية في خطر
لفت حفصية إلى أن التعليم في تونس مثّل دومًا " المصعد الاجتماعي " الذي يضمن تكافؤ الفرص بين التلاميذ، غير أن هذه العدالة التربوية باتت مهددة اليوم بفعل التفاوتات المتزايدة. وأشار إلى أرقام " مفزعة وصادمة " بخصوص الانقطاع المدرسي، حيث ينقطع يوميًا ما بين 60 و100 تلميذ رسميًا عن الدراسة، وهو ما يستوجب " إطلاق صيحة فزع وصيحة تحرك عاجل من أجل العدالة التربوية ".
نحو مقاربة وطنية شاملة
ودعا حفصية الدولة إلى استنباط طرق وخطط ومشاريع تربوية تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة، مؤكدًا على "ضرورة الإسناد المواطني والتربوي تجاه عملية تعليمية جامعة تتكاتف فيها كل الجهود من أجل استرجاع قيمة المدرسة والمعهد والجامعة التونسية العمومية ". كما شدد على أن التعليم يمثل " مشتركًا وطنيًا منغرسًا في الذات التونسية "، داعيًا إلى بناء توافق وطني حول إصلاح هذا القطاع.
وختم حفصية بتأكيده على ضرورة التفاؤل أمام ما تزخر به تونس من كفاءات وعقول مبدعة، قائلاً: " لنكن متفائلين أمام ما نرصده من كفاءات تونسية ومن عقول تونسية مبدعة يجب أن تتوفر لها فضاءات للإبداع والبحث ".