في تطور دبلوماسي هام، أعلن عدد من الدول الأوروبية التزامها بتجميد أو مراجعة اتفاقياتها مع إسرائيل، على خلفية مطالبات واسعة باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بسبب التورط في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي باعتقالهما.
هذه التصريحات الأوروبية جاءت بعد تصاعد حدة الهجمات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ما أدى إلى زيادة الضغوط على إسرائيل من المجتمع الدولي لتتحمل مسؤولية انتهاكاتها للقانون الدولي، ولا سيما في سياق الهجوم الأخير على قطاع غزة والضفة الغربية.
الضغط الأوروبي: هل تتغير مواقف الدول الكبرى؟
في الفترة الأخيرة، تزايدت الأصوات الأوروبية التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسؤولين الإسرائيليين على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان. على رأس هذه الدول، فرنسا وألمانيا، حيث أكد مسؤولون حكوميون في كل منهما ضرورة أن تخضع الشخصيات الإسرائيلية البارزة مثل نتنياهو وغالانت للتحقيقات الدولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين. ويشمل ذلك تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وهو ما يعرض المدنيين للخطر بشكل مستمر.
يتمثل الموقف الأوروبي في أن هذه الانتهاكات تتجاوز حدود السياسات الدفاعية المشروعة، بل تصل إلى جرائم حرب، وبالتالي يجب محاسبة المسؤولين الإسرائيليين. كما أن الضغوط الأوروبية لم تقتصر على التصريحات بل شملت أيضًا تجميد اتفاقات تعاون عسكرية وتجارية مع إسرائيل، وهي خطوة غير مسبوقة تعكس تغيرًا ملموسًا في سياسة بعض الدول الأوروبية تجاه إسرائيل.
وتعتبر هذه المواقف ردًا على تصاعد العنف في غزة، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تسببت في مقتل المئات من المدنيين الفلسطينيين. الأمر الذي دفع بعض الدول الأوروبية، وخاصة تلك التي تضم جاليات فلسطينية كبيرة مثل السويد وبلجيكا، إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة في التعامل مع إسرائيل.
الولايات المتحدة: مواقف ثابتة وداعمة لإسرائيل
في المقابل، جاء رد فعل الولايات المتحدة مختلفًا تمامًا، حيث جددت التأكيد على دعمها الثابت لإسرائيل في جميع محافلها الدبلوماسية.
واشنطن تعتبر أن إسرائيل في وضع دفاعي في مواجهة الهجمات الفلسطينية، وأن ممارساتها العسكرية تأتي في إطار حماية أمنها القومي. من هذا المنطلق، رأت الولايات المتحدة أن أي محاولة لتحميل المسؤولية لإسرائيل على الصعيد الدولي قد تعرقل العملية السلمية في الشرق الأوسط.
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكدت مرارًا أنها ترفض محاكمة المسؤولين الإسرائيليين دوليًا أو اتخاذ أي خطوات قانونية ضدهم. هذا الموقف يتماشى مع التزام واشنطن التاريخي تجاه تل أبيب، الذي يتمثل في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات، بما في ذلك التعاون الأمني والعسكري.
وفي ظل هذه المواقف، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستواصل تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، مؤكدين أن هذا الدعم ضروري لاستقرار المنطقة والحفاظ على العلاقات بين الدولتين في مواجهة التحديات الأمنية.
تساؤلات حول تأثير المواقف الدولية
يبقى السؤال الأبرز هو مدى تأثير هذه الانقسامات الدولية على موقف إسرائيل في المستقبل. في الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول الأوروبية زيادة الضغط على إسرائيل لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين، يبدو أن المواقف الأمريكية قد تقف حاجزًا أمام أي تحركات دولية قد تسهم في فرض عقوبات أو اتخاذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل. وبينما يرى الفلسطينيون في هذه المطالبات الأوروبية خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة، فإنهم لا يزالون يعتبرون أن هذا الضغط لا يكفي لتحقيق مطالبهم الأساسية بإيقاف الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء معاناتهم المستمرة.
الموقف الفلسطيني: ترحيب بالدعوات الأوروبية مع تحفظات على فاعليتها
في الجانب الفلسطيني، قوبلت هذه الدعوات الأوروبية بإيجابية، حيث رحب العديد من الفلسطينيين بالجهود التي تبذلها بعض الحكومات الأوروبية لمحاسبة إسرائيل. يعتبر الفلسطينيون أن هذه المطالبات قد تساهم في تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين الفلسطينيين، وتوفير نوع من الحماية القانونية للمجتمعات المتضررة. ومع ذلك، يعرب العديد من الناشطين عن تحفظهم على فاعلية هذه الدعوات في ظل تجاهل الإدارة الأمريكية للمطالبات الأوروبية، وهو ما يجعلهم يشككون في قدرة هذه المواقف على التأثير الفعلي على السياسة الإسرائيلية.
كما يرى الفلسطينيون أن الموقف الدولي يجب أن يتجاوز مجرد التصريحات إلى إجراءات فعلية، تتضمن محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم الموثقة دوليًا. ويشددون على ضرورة تشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في هذه القضايا، في خطوة قد تساهم في تحقيق العدالة وتقديم التعويضات للضحايا الفلسطينيين.
تصاعد الانقسامات الدولية وتحديات محاسبة إسرائيل
تستمر الانقسامات بين القوى الكبرى في العالم بشأن طريقة التعامل مع المسؤولين الإسرائيليين في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. المواقف الأوروبية قد تشكل تحديًا جديدًا لإسرائيل، خاصةً إذا ما استمر الضغط من الدول الكبرى، لكن الموقف الأمريكي يظل العقبة الأكبر أمام اتخاذ أي خطوات ملموسة ضد تل أبيب. في نهاية المطاف، تبقى الأسئلة حول إمكانية تحقيق العدالة للفلسطينيين قائمة، في وقت تتزايد فيه دعوات المجتمع الدولي للتصدي للانتهاكات التي تمارسها إسرائيل.