اعتداء في فرنسا ومؤشرات دولة قمعية
في حادثة أثارت الكثير من التساؤلات والاستنكار، تعرّض الناشط السياسي إلياس الشواشي، نجل السجين السياسي غازي الشواشي، لاعتداء جسدي ولفظي في مدينة ليون الفرنسية يوم 29 جوان 2025. تفاصيل الاعتداء، التي رواها بنفسه على موجات إذاعة Son FM ، تكشف عن أبعاد تتجاوز مجرد السرقة، وتؤشر إلى استهداف سياسي مباشر يتقاطع مع حملة ممنهجة لتجريم المعارضين وشيطنتهم داخل تونس وخارجها.
الاعتداء: استجواب فتهديد فاعتداء
يروي الشواشي تفاصيل الحادثة قائلاً:
"يوم 29 جوان، في قلب مدينة ليون وبالقرب من القنصلية ومحل سكناي، اعترضني تونسيان على متن دراجات الكترونية صغيرة، سألاني إذا ما كنت أنا الشخص الذي ينشر فيديوهات تحتوي على سباب للرئيس، فأجبت بنعم. إثر ذلك حاولا سرقة هاتفي، ولما رفضت، اعتديا عليّ جسديًا ولفظيًا وتمت إهانتي ".
الشواشي اعتبر أن لهذا الاعتداء " طابعًا سياسيًا واضحًا "، مؤكداً أن " الهدف الوحيد للمعتدين كان افتكاك الهاتف "، الذي يحمل مضامين معارضة للنظام التونسي الحالي.
تحقيقات فرنسية... وصمت تونسي
أفاد الشواشي بأنه تم التعرف على المعتدين عبر كاميرات المراقبة من قبل الشرطة الفرنسية، لكن المشتبه بهم "غير معترف بهم من قبل السلطات الأمنية الفرنسية"، ما يرجّح دخولهم البلاد بطرق غير قانونية. كما أشار إلى أنهم "غير معترف بهم من أي بلد في الاتحاد الأوروبي".
ورغم تقديمه شكاية رسمية إلى الشرطة الفرنسية ووكيل الجمهورية، بالإضافة إلى إشعاره القنصلية التونسية في ليون، ووزارة الخارجية، ورئاسة الجمهورية التونسية، فإن ردود الفعل الرسمية التونسية كانت منعدمة. وعلّق الشواشي بغضب: " أنا مواطن تونسي لدي حقوقي، وسكوت القنصلية وعدم إصدار بيان يندد بالاعتداء أو حتى ينفي تورطها يعتبر صمتًا مريبًا ".
الدولة البوليسية... تعود من جديد
يرى الشواشي أن ما تعرّض له " حادثة منتظرة"، واعتبرها "مؤشرًا على إفلاس منظومة التخويف والعنف والقمع". وانتقد خطاب السلطة قائلاً: "خطاب الكراهية من أعلى هرم الدولة يعكّر المزاج العام ويقسم المجتمع "، مضيفًا أن " ما يحدث في تونس هو عزلة ديبلوماسية واجتماعية وحقوقية خطيرة ".
العدالة المفخخة وتهم الإرهاب المسيسة
لم تتوقف الحملة على الشواشي عند الاعتداء، إذ يواجه في تونس تهمًا "إرهابية" يقول إنها ملفّقة، من بينها _"تكوين وفاق إرهابي والانتماء إلى تنظيم إرهابي "، رغم أنه "الوحيد المحال في هذه القضايا"، متسائلًا بسخرية: "كيف أكون وفاقًا إرهابيًا بمفردي ؟".
وانتقد بشدّة تردي الوضع القضائي قائلاً: "تم ترذيل الإرهاب وقانون 2015، كيف يمكن تسجيل 92 قضية إرهابية خلال سنتين في دولة لا تعيش حربًا ولا شهدت أي عملية إرهابية في هذه الفترة ؟". وأكد أن " الكلمة الحرة اليوم أصبحت تهمة إرهابية، والإرهاب هو تهمة من لا تهمة له "، معتبراً أن هذه التهم " لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كُتبت به ".
رفض للمحاكمة وتمرد على القضاء
أعلن الشواشي أنه، بخلاف القضايا السابقة، قرر مقاطعة كل الإجراءات القضائية وعدم الطعن في أي حكم ابتدائي. وقال: " لن يمثلني أي محامٍ أمام محكمة أعتبرها أداة في يد السلطة، يعمل قضاتها بتعليمات وبمذكرات خارجة عن القانون، في ظل غياب مجلس أعلى للقضاء أو حركة قضائية حقيقية ". وأضاف بحزم: " سأتمرد على هذا القضاء المركّع... قضاء ليلى جفال وقيس سعيد ".
صرخة في وجه الخوف
رسالة إلياس الشواشي ليست فقط عن اعتداء جسدي في المهجر، بل صرخة مدوية ضد مناخ عام من القمع، وضد قضاء فقد استقلاليته، وضد خطاب سلطوي يغذي العنف. في زمن يُتهم فيه المعارض بالإرهاب لمجرد رأي، تظل مقاومة القمع واجبًا وطنيًا.