قال الباحث في علم الاجتماع، والناشط بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خالد الطبابي، أنّ العدد الجملي للمهاجرين غير النظاميين المحتجزين في منطقة "وادي المغطى" التابعة لعمادة عين الكرمة من معتمدية تمغزة بولاية توزر والتي تقع على الحدود مع الجزائر، قد بلغ 160 مهاجرا ومهاجرة باستثناء مهاجر واحد يتمتع بحق اللجوء.
وقدِم هؤلاء المهاجرون، وفقا للدراسة، من نيجيريا وغينيا ومالي وساحل العاج والسودان والسيراليون والكاميرون وبوركينا فاسو وغينيا وغمبيا، وتعزى أسباب هجرتهم إلى الحرب بنسبة 52 بالمائة، وإلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية بنسبة 28.2 بالمائة، وإلى الاضطرابات السياسية بنسبة 11.3 بالمائة، فيما يبحث 58 بالمائة منهم عن مكان آمن على اعتبار أن السودان تعيش حربا، في حين تعاني غمبيا وبوركينا فاسو وغينيا من الانقلابات والاضطرابات السياسية.
وأظهرت الدراسة أيضا أنّ 41 بالمائة من المستجوبين يحلمون بالوصول إلى أوروبا.
وأضاف الطبابي، أنّ عيّنة الدراسة تمثل 33.12 بالمائة من جملة المحتجزين بوادي المغطّى، أكّد جميعهم أنّ السلطات التونسية هي التي نقلتهم إلى هناك، بعد أن كان 45 بالمائة منهم في ولاية صفاقس و47 بالمائة منهم في ولاية قفصة التي يدخلونها عبر المعابر الحدودية مع الجزائر على شريط الجريد سواء من حزوة أو تمغزة، قبل أن يتم إيقافهم في سجن قفصة، وبدأت هذه الاحتجازات في يومي 4 و5 جويلية 2023، قبل أن يصبح المعتقل مفتوحا بداية من تاريخ 7 جويلية 2023.
وتضمنت الدراسة وصفا للمكان الذي يعيش فيه المهاجرون، باعتباره جافا، ولا تتجاوز الأمطار فيه الـ 0 مم في فصل الصيف، وتصل درجات الحرارة هناك إلى 49 درجة مائوية وتتواصل أيام الشهيلي في توزر على امتداد 39 يوما خلال فصل الصيف، ناهيك عن أنّ المكان، مرتع للحشرات السامة، بالإضافة إلى أنه يفتقر إلى الماء والكهرباء وكل المقومات السوسيولوجية والحياتية وبعيد عن المستشفيات ويصعب الوصول إليه ولا يمكن إلا للسيارات رباعية الدفع أن تبلغه، لذا فإنّ 96 بالمائة من العينة المستجوبة تقر بأن المكان غير مهيأ للإقامة.
وأكّد الباحث، أنّ 88,7 بالمائة من المستجوبين كانوا قد أكّدوا أنّهم لم يتلقوا أي مساعدات طبية في تونس في حين أقرّ 69.8 بالمائة منهم أنّهم لم يتلقوا أي مساعدة طبية في وادي المغطى، وحتى المساعدات التي تم الانتفاع بها في هذا الإطار هي شبه طبية وليست طبية رغم أنّ 52,8 بالمائة من المهاجرين المستجوبين يشكون من جروح وآلام.
وأضاف الباحث في علم الاجتماع، خالد الطبابي، أن جميع هؤلاء المهاجرين يعتبرون أنّ المنظمات الدولية والوكالات الأممية لم تقم بدورها ولم تتدخل لمساعدتهم والإحاطة بهم ويعتبر90.7 بالمائة منهم أنّ تعامل هذه المنظمات معهم، كان غير جيّد إطلاقا.
ومن أهم النقاط التي تم التوصل إليها في الدراسة، أنّ هؤلاء المهاجرين المحتجزين في "وادي المغطى" هم محاصرون من السلطات التونسية والسلطات الجزائرية، ناهيك عن أنّ 77 بالمائة من المستجوبين كانوا قد صرّحوا بأنّ الدرك الجزائري يجابه دخولهم إلى الأراضي الجزائرية بإطلاق النار في الهواء، بالإضافة إلى دفع كل المهاجرين الذين يجدونهم في الصحراء للدخول إلى الحدود التونسية وبالتالي فإنّ ذلك يعدّ "تصديرا للأزمة إلى تونس" وفقا للباحث، وهذا ما يفسّر نسبة المهاجرين الذين دخلوا البلاد عبر البر من الجزائر والذي بلغ حوالي 78 بالمائة.
وتضمنت الدراسة أيضا تقص لمسالك هؤلاء المهاجرين من بلدانهم نحو تونس، فالقادمون من السودان، يتنقلون إلى التشاد ثم النيجر ثم الجزائر فتونس، أما القادمون من غمبيا فيدخلون السينغال ثم موريطانيا فالجزائر فتونس، أمّا القادمون من السيراليون، فيدخلون غينيا ثم مالي فالنيجر والجزائر فتونس، أمّا القادمون من الكوت دي فوار، فينطلقون من بوركينافاسو ثم الجزائر نحو تونس، أما القادمون من غينيا وبوركينافاسو، فهم يمرون من مالي والجزائر للوصول إلى تونس.
ونوّه الباحث إلى أنّ الفضاء في وادي المغطى، شاب، فوفقا للعينة فإنّ، 64,2 بالمائة من المهاجرين المحتجزين هناك، أعمارهم تتراوح بين 20 و30 سنة و22.6 بالمائة منهم تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة في حين تصل نسبة من هم أقل من 20 سنة إلى 13.2 بالمائة، ومن بين هؤلاء المهاجرين 80 بالمائة عزّاب و13 بالمائة منهم متزوجون، ووفقا للدراسة أيضا فإنّ 94.3 بالمائة من هؤلاء المهاجرين هاجروا بصفة فردية وهذا ما ينفي أنّ هجرتهم كانت هجرة عائلية.
وأكّد، خالد الطبابي، أنّه عكس ما تسوق له التيارات اليمينية الأوروبية المعادية للمهاجرين، فإنّ هؤلاء المهاجرين متعلمون، إذ أنّ 45 بالمائة منهم مستوياتهم التعليمية ثانوية و15 بالمائة منهم مستواهم التعليمي جامعي و37 بالمائة كانوا قد زاولوا تعليمهم الابتدائي، وبالتالي فإن هذه الفئة تعرف حقوقها وواجباتها وهذا ما يفسّر مطالبتهم الدائمة بتحرير الحدود والمطالبة بالحرية والمساواة.
وأوصى الباحث، بإدماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع وإخراجهم من منطقة "وادي المغطى" نحو المدن وتقديم المساعدات الطبية اللازمة لإنقاذ الكلفة الإنسانية، نظرا لتواتر حالات الوفايات في الحدود التونسية والجزائرية.
وأكّد الطبابي أيضا على ضرورة مراجعة سياسات الهجرة بين دول الشمال وتونس باعتبار أنّ العلاقات دائما غير متكافئة وغير عادلة، بالإضافة إلى ضرورة العمل على سياسة هجرية ذات سيادة وطنية، تبحث بالأساس في سبل الهجرة النظامية والآمنة.
واستنكر الباحث، بيان رئاسة الجمهورية، الصادر في 21 فيفري 2023، والذي جاء فيه أنّ الهجرة في تونس هي بفعل فاعل وهي تهدد التركيبة الديمغرافية للبلاد، معتبرا ذلك مغالطة، نظرا لأنّ عدد المهاجرين في أقصى التقديرات يتراوح بين الـ 70 ألف أو 80 ألف.
وحذّر الباحث من مغبة ذلك الخطاب، معتبرا أنّ البلاد مازالت ستعاني من تبعاته على مدى سنين وعقود، قائلا، أنّه لا يمكن حل هذه المسألة في 24 ساعة لكن يجب خلق رؤية داخلية تونسية للموضوع مع الابتعاد عن المقاربات الأمنية ومراجعة سياسات الهجرة، وفق تقدير الطبابي.