خلال حضوره امس ببرنامج عالطاولة اعتبر ضيفنا الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي انه لا يوجد اختلاف كبير بين الوضع الاقتصادي قبل 25 جويلية وبعدها اذ كان هناك تفضيل للانتقال السياسي على حساب الانتقال الاقتصادي في كلا الفترتين، حيث ضل هذا المنحى متواصلا والمؤشرات الاقتصادية السلبية قائمة رغم تغير المشروع السياسي، بالتالي لم يؤدِ المشروعان الأول والثاني إلى أي تحسن ملموس على مستوى معاش التونسيين حسب تعبيره.
واضاف الشكندالي انه يمكن تلخيص المشروع الثاني في نقطتين هما مقاومة الفساد والاعتماد على الذات او السيادة الوطنية واعتبر ان الحكومات المتعاقبة خلال الولاية الرئاسية الأولى لقيس سعيد قد فشلت في ترجمة هذه الشعارات إلى واقع . وفي تفسيره لاسباب هذا الفشل يرى ضيفنا ان زج الفاسدين في السجن لا يقضي على الفساد مادامت القوانين التي تسهل من عملية الفساد لم تتغير ومن بينها كراسات الشروط التي مثلت اداة أساسية لترسيخ الاقتصاد الريعي، حيث صُممت لتخدم مصالح قلة من المستثمرين.
يعتير رضا الشكندالي ان لاقتصاد التونسي يعاني من غياب حاد للمنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين خاصة في القطاعات الحيوية مثل القطاع البنكي الذي يهيمن عليه عدد قليل من اللاعبين، يؤكد ضيفنا ان هذا التوجه نحو التركيز على القطاع المالي على حساب الاقتصاد الحقيقي قد ولّد فقاعة مالية ضخمة، أدت إلى تفاقم التضخم وأثرت بشكل كبير على توزيع الثروة لصالح فئة قليلة، دون أن يعود بالنفع على الاقتصاد ككل. في هذا السياق يوضح الشكندالي ان ارتفاع أرباح البنوك في البلدان المتقدمة يعتبر مؤشراً على صحة الاقتصاد ونموه، حيث تلعب هذه البنوك دورًا حيويًا في تمويل القطاع الخاص والاستثمار،على عكس ذلك في تونس لأن البنوك تتجنب دعم القطاع الخاص وتمول بنسبة فائدة عالية جدا ومطمئنة للدولة.
وبالتالي تساهم الدولة في اثراء هذا القطاع من خلال الإقراض المفرط من قبل البنوك والامتناع عن محاسبتهم وذلك على حساب المستثمرين والقطاع الخاص وهذا ما يسبب ركود اقتصادي. يؤكد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي ان المشاريع العمومية في تونس تعاني من العديد من العوائق، أبرزها تعقيدات الإجراءات الإدارية المرتبطة بقانون الصفقات العمومية، بالإضافة إلى ذلك فإن المستوى المرتفع للضرائب والجبايات يشجع على النشاط الاقتصادي غير الرسمي والتهرب الضريبي، كما أن غياب الرقمنة في الإدارة يزيد من البيروقراطية ويؤخر إنجاز المعاملات.
وبخصوص مصطلح السيادة الوطنية يشير ضيفنا الى وجود سوء تقدير او التباس حول هذا المفهوم، إذ ان نجاح البنك المركزي في المحافظة على العملة الصعبة او نجاح الحكومة في المحافظة على التوازنات الخارجية او الايفاء بإلتزاماتها الخارجية لا يعني تكريس مفهوم السيادة الوطنية بل هذا ارضاء للمؤسسات الدولية حسب قوله. ويرى ضيفنا كذلك ان الاعتماد على الذات لا يعني عدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجي وتعويضه بالاقتراض الداخلي لان بعض المؤسسات الدولية وحتى صندوق النقد الدولي تمنحنا قروضا بنسبة فائدة أقل من نسبة الفائدة في البنوك التونسية. وينبه في ذات السياق الى ان التعامل مع صندوق النقد الدولي لا يعني الخضوع للشروط التي يفرضها او المساس بالسيادة الوطنية بل هوعملية تفاوض يكون مسؤول عنها الفريق الوطني التفاوضي والذي عادة ما ينصب اهتمامه على جني الاموال بدل التركيز على مناقشة السياسات الاقتصادية . لترسيخ دعائم السيادة الوطنية، يقترح ضيفنا رضا الشكندالي مجموعة من الإجراءات مثل دعم البنك المركزي للشركة التونسية للكهرباء والغاز لتمكين العائلات والمصانع من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة، كذلك تشجيع الفلاحة من خلال دعم الفلاح بالأساس وليس المنتوج كدعم المدخلات الزراعية مثل الأعلاف والبذور لخفض أسعار المنتجات الفلاحية، تحسين مناخ الأعمال وتخفيض كلفة التمويل لجذب الاستثمارات، وايضا تشجيع التونسيين بالخارج على المساهمة في الاقتصاد الوطني من خلال فتح حسابات بالعملة الصعبة.