سجن الحرية: عندما يصبح الرأي جريمة
سنية الدهماني، المحامية والإعلامية التونسية، وجدت نفسها خلف القضبان لا لجرم اقترفته، بل لأنها تجرأت على قول الحقيقة. قضاياها المتعددة، التي وُجهت لها بموجب المرسوم 54، تكشف عن تراجع خطير في حرية التعبير في تونس، وعن تحوّل النصوص القانونية إلى أدوات لقمع الآراء المخالفة وملاحقة كل من يجرؤ على نقد المنظومة أو فضح الظواهر المجتمعية.
تدهور صحي ممنهج داخل الزنزانة
كشف شقيقها مهدي الدهماني في تصريح له على موجات إذاعة Son FM أن سنية دخلت السجن بصحة جيدة سنة 2024، لكنها اليوم تعاني من داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، ومشاكل صحية في الركبتين. وأوضح أن دليل السجين يمنع ممارسة التمارين الرياضية داخل الزنزانة، مما فاقم وضعها الصحي. "سنية مثل كل المسجونين تمر بفترات صعود وهبوط"، قال مهدي، معبّراً عن قلقه العميق تجاه حالتها.
مناضلة حتى خلف القضبان
ورغم ما تعانيه، ما زالت سنية الدهماني رمزاً للقوة. "سنية امرأة قوية وحرّة أكثر من كثيرين حتى وهي داخل زنزانتها"، يقول شقيقها. لقد أصبحت كلماتها، التي لطالما انتقدت الواقع الاجتماعي والسياسي، كفيلة بتفجير الذعر داخل أجهزة الدولة. قضيتها الأشهر، المعروفة بـ"هايلة البلاد"، أدت إلى اقتحام دار المحامي واعتقالها في مشهد هزّ الرأي العام.
عنصرية المجتمع... وصمة تُمنع من النقاش
من بين القضايا الخمس المرفوعة ضدها، حُكم عليها بالسجن لمدة سنة ونصف بسبب تصريحاتها حول العنصرية ضد التونسيين ذوي البشرة السمراء، وهي تصريحات وثّقتها وسائل إعلام وأيّدها مسؤولون محليون. يتساءل مهدي: "كيف يمكن للمسؤولين الذين حكموا عليها أن يناموا قريري العين، فقط لأنها تحدثت عن واقع مرير يعيشه جزء من المجتمع؟"
من يهدد صورة تونس حقاً؟
تساءل مهدي الدهماني بصوت عالٍ: "ما الخطر الذي تمثله سنية على الدولة؟ هل كلماتها أخطر من خطابات بعض الأحزاب التي تنكر الجمهورية نفسها؟ هل يعقل أن تُسجن 366 يوماً لمجرد أنها عبّرت عن رأي؟" وأكد أن من سجنوا سنية هم من ألحقوا الضرر بصورة تونس، لا هي.
المرسوم 54... سيف مسلط على حرية الكلمة
دعا مهدي، كما العديد من المنظمات الحقوقية والسياسية، إلى مراجعة المرسوم 54 الذي أصبح أداة لترهيب الصحفيين والمعارضين. "آن الأوان أن تستمع السلطة لهذه الأصوات: المنظمات، الأحزاب، المعارضين، وحتى بعض الداعمين. لا يجب أن نخاف من الرأي، بل من كتمانه."
سنية الدهماني ليست وحدها، هي صوت لكل من خشي قول الحقيقة. هي سجينة رأي في زمن يُعاقَب فيه الحرف وتُكمّم فيه الأفواه. والإفراج عنها اليوم ليس فقط قضية شخصية، بل معركة وطنية من أجل الكرامة وحرية التعبير.