استنادا على وثائق أمنية ومقابلات واستبيانات توصلت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تحقيق صادر أمس 16 نوفمبر 2023 إلى تواطؤ قوات الأمن التونسي من شرطة وحرس وطنيين وخفر سواحل وجيش مع شبكات تهريب البشر مقابل الحصول على رشاوى، كما وثقت المنظمة الأممية انتهاكات وحشية ضد المهاجرين شملت الضرب والسرقة والاعتداء الجنسي.
قوات الأمن: صناعة التهريب
وقالت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقريرها إن عناصر من قوات الأمن التونسي تشارك منذ فترة طويلة في صناعة تهريب البشر في البلاد وتستفيد منه ماديا، ولسنا متأكدين إن شملت هذه الاستفادة مناصبا عليا في الحكومة التونسية، وفق ما جاء في التقرير.
وشملت أشكال التواطؤ وفق المنظمة تلقي عناصر الأمن لمبالغ مالية "رشوة" من "الحراقة" مقابل توفير الحماية المعلوماتية المسبقة عن المداهمات وأماكن وتوقيت تواجد الدوريات حتى تتمكن قواربهم من الخروج بنجاح من المياه الإقليمية التونسية، ووفق أرقام المنظمة وصل حوالي 18287 مهاجرا غير نظامي من تونس إلى إيطاليا في عام 2023 مقابل 7812 في عام 2022.
وقامت قوات الأمن بتزوير التقارير الأمنية المرسلة إلى المكاتب المركزية التابعة لوزارة الداخلية لتبرئة "الحراقة" من خلال تقديم معلومات لا تعرضهم للخطر مقابل مبالغ مالية تصل إلى 100000 دينار، هذا بالإضافة إلى السماح للقوارب المعترضة في عرض البحر بالإبحار من جديد نحو إيطاليا مقابل أكثر من 25000 دينار.
وأشار التقرير إلى أن وزارة الداخلية متيقنة من وجود هذه التجاوزات وهو ما دفعها إلى تكثيف الرقابة المسبقة على عمليات المداهمة مؤكدا أن هذه التجاوزات ستؤدي إلى تآكل نزاهة المؤسسات الراعية للسلامة العامة والعدالة في البلاد، كما انتقدت المنظمة اعتماد رئيس الجمهورية قيس سعيد على مقاربة أمنية لحل ملف الهجرة.
ودعت المنظمة كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى التحقيق في هذه التجاوزات الأمنية ومساءلة الأطراف المتواطئة قبل اتخاذ أي تدابير إضافية بشأن الهجرة والتعاون الأمني مع تونس، مشيرة إلى أن إدارة الهجرة بشكل فعال وإنساني تمثل تحديا لتونس التي تعاني من سوء الحكم.
ووفقا للوثائق التي جمعتها المنظمات الدولية في الفترة الممتدة من سبتمبر إلى أكتوبر 2023، تعرض 86 بالمائة من الأفارقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء (شملهم استطلاع خلال الصيف) إلى طرد غير قانوني وعنف جسدي وقالوا إنهم عانوا من العنف على أيدي قوات الأمن القائم على النوع الاجتماعي بما في ذلك الاغتصاب الجماعي للنساء، مضيفة أن عمليات الطرد مستمرة حد هذه اللحظة.
وفي صيف 2023، قامت قوات الأمن بطرد الآلاف من المهاجرين الأفارقة "حتى الطلاب وطالبي اللجوء" بشكل غير قانوني وعشوائي إلى المناطق الحدودية الصحراوية، وتحدثت تقارير إعلامية حينها عن وفات عدد كبير منهم عطشا وجوعا.
في المقابل، نفى المكلف بالإعلام بوزارة الداخلية فاكر بوزغاية في تصريح مقتضب لـ SonFM ما جاء في تحقيق المنظمة وقال إنه كذب وادعاء على المؤسسة الأمنية دون تقديم حجج دقيقة وأشار إلى أن اصدار موقف رسمي يدخل في اختصاصات وزارة الخارجية.
هذا وراسلت المنظمة الأممية كلا من وزارة الخارجية ووزارة الداخلية لطلب إجراء مقابلات مع مسؤولين حكوميين حول نتائج التحقيق لكنها لم تتلق أي رد.
دعوات عاجلة
كما دعت المنظمة الأممية السلطة التونسية إلى وقف المعاملة اللاإنسانية للمهاجرين لا سيما الاحتجاز والطرد إلى المناطق الحدودية والالتزام بقانون مكافحة التمييز العنصري الصدر في عام 2018، وفتح بحث تحقيقي عاجل ومحاسبة عناصر قوات الأمن المتورطة في صناعة تهريب البشر، وسن إصلاحات تشريعية تضمن الحقوق الأساسية للمهاجرين، وتقديم الخدمات الانسانة كالغذاء والصحة.
في المقابل، دعت المنظمة الاتحاد الأوروبي إلى إيقاف المساعدة المتعلقة بالهجرة إلى تونس مؤقتا حتى تفتح بحثا تحقيقيا في هذه التجاوزات إلى جانب وضع آليات ملموسة للرقابة والمساءلة لمنع حدوث تجاوزات في المستقبل، وزيادة التمويل بشكل كبير للهلال الأحمر التونسي والمنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في تونس، لتوفير خدمات الطوارئ الموسعة للمهاجرين، بما في ذلك الغذاء والصرف الصحي والمأوى والخدمات الطبية.