أعلن الهلال الأحمر التونسي بتاريخ 09 أكتوبر 2023، عن إطلاق حملة تبرع وطنية تهدف إلى جمع المساعدات المالية والعينية لصالح الشعب الفلسطيني، في ظل الأحداث الصعبة التي يواجهها جراء الحرب الصهيونية في قطاع غزة عقب طوفان الأقصى المستجد.
ولكن تثير هذه الجهود تساؤلات عديدة حول كيفية توثيق ومراقبة توزيع هذه المساعدات وحجمها الفعلي وغير المعلن عنه لحد اللّحظة بعد حوالي شهر من إطلاق هذه الحملة.
هل يضمن الهلال الأحمر التونسي الشفافية والمراقبة الكافية لضمان توجيه هذه المساعدات بفعالية وباحترام جميع الإجراءات؟
في هذا السياق، أجرت SonFM عدة زيارات ميدانية لاستكشاف بعض فروع الهلال الأحمر التونسي في مختلف الولايات التونسية.
وخلال هذه الزيارات، تم اكتشاف بعض الاختلالات التي يتعين التطرق إليها في مقالنا بالتفصيل.
فهل يوجد توجيه صحيح للمساعدات أم هناك مشاكل في التوزيع؟
هل الجهات المعنية تعمل بشكل ملائم على تنفيذ هذه الحملة الوطنية؟
سنبحث في مقالنا هذه الجوانب ونقدم المعلومات التي رصدناها لفهم ما يجري فعليًا في ميدان العمل الإنساني.
مساهمات جنود الإنسانية في تقديم الدعم والتأثير الإيجابي
تعكس مبادئ الهلال الأحمر التونسي روح التطوع والحب للوطن بشكل ملموس، حيث يتحد جنود الإنسانية من مختلف الفئات الاجتماعية لخدمة المجتمع دون تمييز.
نشأ الهلال الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية وتم حله، ليستعيد تأسيسه في تونس عام 1956، بموجب سبعة مبادئ أساسية: الإنسانية، التطوع، عدم التحييز، الحياد، الاستقلالية، الوحدة، والعالمية.
ويمتد نطاق تدخلاتهم الإنسانية إلى مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك النفسية والاجتماعية والصحية.
وتهدف هذه التدخلات إلى تقديم حلاً مدروسًا وفعالًا لاحتياجات المواطنين.
نشأ الهلال الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية وتم حله، ليستعيد تأسيسه في تونس عام 1956، بموجب سبعة مبادئ أساسية: الإنسانية، التطوع، عدم التحييز، الحياد، الاستقلالية، الوحدة، والعالمية.
تاريخ الهلال الأحمر التونسي يُبرز إسهاماته الملحوظة على مر التاريخ في مساعدة المجتمع في تخطي الأزمات والكوارث، بما في ذلك التصدي للكورث الطبيعية والتوعية بمخاطر جائحة كوفيد 19.
بالإضافة إلى ذلك، قاد الهلال الأحمر التونسي جهودًا مستمرة لتعزيز الصحة النفسية والاجتماعية من خلال مراكز الإنصات والاستجابة خاصة وقت الأزمات.
ومؤخرا أطلق هؤلاء الجنود المتطوعون، عددا من حملات التبرع ونصبوا الخيام لاستقبال التبرعات في مناطق مختلفة بالبلاد، وذلك لتقديم الدعم اللاّزم لأولئك اللّذين في أمس الحاجة إليهم، وهم شعب فلسطين.
يُظهر الهلال الأحمر التونسي بجلاء أن التطوع والعمل الإنساني يمكن أن يُلهم التغيير الإيجابي في المجتمع، وأن الجهود المشتركة يمكن أن تساهم في بناء مستقبل أفضل للجميع.
المقر المركزي بمقرين
أثناء زيارتنا للمقر الرئيسي للهلال الأحمر التونسي في مقرين، تلقينا ترحيبًا من قبل المتطوعين الذين يعملون بجدية واهتمام كبير لدعم الفلسطينيين المتضررين من الأحداث الصعبة في قطاع غزة ولتأمين وصول المساعدات إليهم.
وفي هذا السياق، لفتت انتباهنا الكميات الهائلة من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والشبه طبية الموجودة في المقر، والتي يتم تخزينها وتنظيمها بعناية فائقة.
وما يُعزز من الشفافية والمساءلة في العمل الإنساني للمقر، هو تسجيل كل تبرع بدقة ودون استثناء، بغض النظر عن نوعه، سواء كان عبارة عن مواد غذائية أو مساهمة مالية أو غير ذلك، وهذا النهج المُحترف في تسجيل التبرعات يضمن توجيه المساعدات بشفافية وفعالية.
الوضع لم يكن نفسه في بقية الفروع
وخلال لقائنا مع الناطقة الرسمية باسم الهلال الأحمر التونسي، بثينة القرقوري، أكدت أن جميع التبرعات تُسجل بدقة وأمانة تامة.
وأفادت الناطقة الرسمية بإسم الهلال الأحمر التونسي أن عملية التبرع تمر بعدة مراحل تهدف إلى توجيه التبرعات بشكل فعّال ولضمان شفافية العمليات.
تشمل هذه الخطوات:
أولا، يتم التواصل مع الهيئات الفرعية: تبدأ عملية التبرع بالاتصال بالهيئات الفرعية للهلال الأحمر التونسي حيث يمكن للأفراد والمنظمات التبرع بالأموال أو العينات (مثل الملابس والأدوية) إلى هذه الهيئات الفرعية.
ثانيا، يتم نقل التبرعات إلى الهيئات الجهوية: بعد استلام التبرعات من الهيئات الفرعية، يتم نقل هذه التبرعات إلى الهيئات الجهوية للهلال الأحمر في مختلف المناطق.
ثالثا، يتم توجيه التبرعات إلى المقر المركزي: الهيئات الجهوية تقوم بتوجيه التبرعات إلى المقر المركزي للهلال الأحمر التونسي في تونس العاصمة.
رابعا، توثيق الاستلام: تُستخدم وثائق رسمية مختومة لتوثيق المبالغ المالية أو العينات التي تم تقديمها في كل مرحلة، وتحتوي هذه الوثائق على تفاصيل حول المبلغ أو نوع التبرع والمصدر والتوقيع.
خامسا، متابعة وتقديم التقارير: تتم متابعة جميع عمليات التحصيل والنقل والتوجيه بدقة، ويتم إعداد تقارير دورية للإبلاغ عن كيفية توجيه واستخدام التبرعات والمشاريع التي تم تمويلها.
وتلعب هذه العمليات دورًا حيويًا في تعزيز الشفافية والمساءلة في مجال العمل الإنساني، إلا أن القرقوري رفضت الإفصاح عن الإحصائيات المجمعة حاليا وتعهدت بتنظيم ندوة صحفية قريبة للإعلان عن حجم التبرعات وتقديم سجل يضم أسماء المتبرعين وتفاصيل تبرعاتهم.
زيارتنا إلى المقر المركزي للهلال الأحمر التونسي في مقرين أتاحت لنا إلقاء نظرة دقيقة على كيفية تنظيم وإدارة المساعدات.
وعلى الرغم من أن هذه الزيارة قد أجابت على بعض من أسئلتنا وأوضحت لنا الإجراءات المتبعة هناك، إلا أن الوضع لم يكن نفسه في بقية الفروع، حيث أن الأمور تسير بشكل مختلف في أغلب مقرات تجميع التبرعات لفائدة الشعب الفلسطيني.
الاختلافات تكمن أساسا في الإجراءات وفي كفاءة توزيع المساعدات في تلك الفروع الأخرى.
المقرات الجهوية بتونس العاصمة ... تسجيل المبالغ المالية وشكر الله سعيكم عن بقية التبرعات
بعد من عمل المقر المركزي للهلال الأحمر التونسي توجهنا إلى فروعه الجهوية والفرعية في العاصمة تونس أين اكشتفنا وضعا مُحيرا.
فقد تبين لنا أن عدة فروع، والتي تمتلك صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، ليس لديها مقرات رسمية بما في ذلك، مناطق باردو ومنوبة ومنطقة العمران.
مشكلة توثيق وتتبع التبرعات التي تأتي على شكل مساهمات عينية مثل الأدوية والملابس والغذاء.
في ذات السياق، حاولنا الاتصال بأرقام الهواتف المتاحة عبر الإنترنت لهذه الفروع، واكتشفنا أن أفرادا يقومون بجمع التبرعات من المواطنين باسم الهلال الأحمر التونسي.
وما يزيد الأمور تعقيدًا هو أن بعض هؤلاء الأفراد لا يمتلكون وصل استلام رسمي مختوم من الهلال الأحمر التونسي وهو وضع يجعل من الصعب على المواطن البسيط، الذي يسعى إلى التبرع ومساعدة الشعب الفلسطيني، التمييز بين الأعضاء الرسميين في الهلال الأحمر والأشخاص الذين يحاولون الاستفادة من مشاعر العطاء والتضامن.
وضع يستدعي زيادة مستوى الوعي والحذر بين المواطنين والتأكد من أنهم يتبرعون من خلال القنوات الرسمية للهلال الأحمر التونسي.
وإلى جانب تحديات المقرات والاتصال التي تواجه عملية التبرع للهلال الأحمر التونسي والتي تكون أحيانا خارجة عن نطاق المسؤولين، تبرز مشكلة توثيق وتتبع التبرعات التي تأتي على شكل مساهمات عينية مثل الأدوية والملابس والغذاء.
ففي بعض الأحيان، يبدو أن هذه التبرعات على غرار التي يتم استلامها من قبل فروع ولاية أريانة، عكس فروع ولاية بن عروس، لا تتمتع بنفس الدرجة من التوثيق والشمول مثل التبرعات النقدية، وهذا الأمر يثير تساؤلات حول كيفية ضمان التوثيق الشفاف والمطلوب.
الجهات ... ماذا يحدث في فروع الهلال الأحمر التونسي؟
أثبتت فروع الهلال الأحمر التونسي في مختلف الجهات على غرار جندوبة وقفصة وقبلي وصفاقس رفضها في التعامل مع مراسلي SonFM، حيث أبدوا استمراريتهم في عدم التفاعل أو تقديم أي معلومات حول عمليات التبرع.
ومن بين هذه الفروع، استثنى الفرع الجهوي في ولاية سوسة نفسه من هذا الرفض بعد إلحاح شديد لشرح تفاصيل عملية التبرع وتسجيلها.
تظهر المخاوف الرئيسية هنا من عدم تسجيل جميع التبرعات بشكل كامل وشفاف، حيث يتم توثيق المبالغ المالية فقط في وصل الاستلام حسب ما رصده مراسلونا بالجهات.
وهذا الأمر يثير عديد التساؤلات حول كيفية ضمان وصول جميع التبرعات إلى المقر المركزي في مقرين.
وبناءً على هذا، بات من الضروري إعادة النظر والنقاش في كيفية تحسين إجراءات تسجيل ومتابعة التبرعات مع تأكيد نزاهتها وشفافيتها.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي طرح أسئلة حول سبب رفض العديد من الفروع التعامل مع وسائل الإعلام والحاجة إلى توفير تفسيرات للجمهور بشأن هذا الرفض.