شهدت تونس منذ 25 جويلية 2021 استهدافا واسعا للأصوات الناقدة والمعارضة للنظام، وفقا لتقرير مرصد انتهاكات حرية الرأي والتعبير التابع لجمعيتي تقاطع وجمعية المساءلة الاجتماعية "من حقي نساءلك".
وبلغ عدد انتهاكات حرية الرأي والتعبير، 47، تراوحت بين إيقافات عشوائية، واستدعاء للاستماع، ومحاكمات على معنى قوانين مختلفة من بينها المرسوم عدد 54.
وشهدت هذه الانتهاكات نسقا متصاعدا، إذ بلغ عددها 4، سنة 2021، ثم 13 سنة 2022 لتبلغ 30 محاكمة سنة 2023.
وطالت الملاحقات القضائية 7 سياسيين و11 ناشطا و10 صحفيين ونقابيين اثنين و6 محامين و11 مدنيا، وتتوزع الانتهاكات في حقهم كالآتي، 22 محاكمة بسبب مقالات وتصريحات إعلامية و21 محاكمة بسبب تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي وإيقاف واحد بسبب المشاركة في احتجاج و3 إيقافات بسبب كتابات جدارية.
واعتبر غيلان الجلاصي، الممثل عن جمعية تقاطع، في تصريح له لإذاعة SonFM، أن هذا التقرير صدر بناء عن تراجع حرية الصحافة في تونس في السنوات الأخيرة وتواتر محاكمات الرأي والمحاكمات السياسية وقمع الحق في الاحتجاج والتجمع السلمي، مبينا أنّ كلّ المؤشرات تدل على ارتفاع منسوب القمع عاما بعد عام واعتبر أنّ البلاد تتجه بذلك نحو "منعرج خطير" وفق تعبيره.
وأكّد الجلاصي، أنّه يخشى أن تخسر البلاد أهم مكسب ظفرت به بعد الثورة، وهو مكسب الحقوق والحريات، وخاصة الحق في حرية الرأي والتعبير.
وناشد الجلاصي السلطة التشريعية، إلغاء المرسوم عدد 54 ومراجعة التشريعات الي تنتهك حرية الرأي والتعبير بما فيها مجلة الاتصالات والمجلة الجزائية التي تعتمدها الدولة في هذه المحاكمات.
وأضاف غيلان الجلاصي أنّ المجتمع المدني لطالما اضطلع بدور كبير منذ ما قبل الثورة في علاقة بمقارعة نظام بن علي والتصدي له، رغم ضعف وسائله.
وشدد الجلاصي على أنّ مسؤولية المجتمع المدني اليوم تضاعفت، وبات من الضروري أن تتوحد صفوفه بغاية التصدي للانتهاكات التي تمارسها السلطة والتي تشهد نسقا تصاعديا.
ونوّه محدثنا إلى أنّ الجمعيات تلعب دورا كبيرا في رصد الانتهاكات وفي حملات المناصرة وفي توفير المحامين والدعم القانوني والنفسي لضحايا هذه الانتهاكات رغم الامكانات المحدودة.
في المقابل استنكر الجلاصي، نكران دور المجتمع المدني، وحملات التشويه والتخوين التي تتعرض لها الجمعيات من قبل السلطة وخاصة في خطابات رئيس الجمهورية الذي يتهمهم بالعمالة والخيانة، وتلقي التمويلات الأجنبية، مما أدّى إلى عديد المشاكل من بينها بعض الصعوبات في التعامل مع المواطنين.
وأكّد الجلاصي أن مجهودات المجتمع المدني متواصلة من خلال التقارير والندوات والتظاهرات وغيرها من الأنشطة من أجل فضح كل التجاوزات.
من جهتها اعتبرت المديرة التنفيذية لجمعية المساءلة الاجتماعية "من حقي نساءلك"، ندى الزغدودي، في تصريح لها لإذاعة SonFM، أنّ تونس تراجعت خطوات إلى الوراء، وإلى عهد ما قبل الثورة نظرا لتراجع التمتع بالحقوق والحريات.
وأوصى التقرير بإعادة إحياء الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسيّة باعتبارها الجهاز الرقابي الوحيد للحقوق والحريات، فضلا عن الالتزام بالمعاهدات الدولية لحقوق الانسان وتعزيز الشفافية ومراقبة أداء السلطات الأمنية.
وحثّ المرصد أيضا، الحكومة على إرساء منظومة تعاون بينها وبين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية وعدم فرض قيود "غير مبررة" على وسائل الإعلام وحرية التعبير.
أمّا على المستوى التشريعي، فقد خلص التقرير إلى أنّه يجب مراجعة التشريعات والنصوص القانونية التي تتضمن عبارات فضفاضة وتسلط قيودا "مجحفة" على حرية التعبير، مع ضرورة تشريك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في هذه التنقيحات.
واعتبر التقرير أنّه على المجتمع المدني بدوره أن ينظم حملات توعية للمجتمع، بشأن الحقوق وسبل الدفاع عنها، بالإضافة إلى ضرورة تكافل جهوده، في الدفاع عن الحقوق والحريات.
وللإشارة، فإنّ مرصد انتهاكات حرية الرأي والتعبير، هو مشروع مبادرة من منظمات المجتمع المدني، تأسس إثر تواتر حالات التضييق على حرية الرأي والتعبير.