سردية السلطة والواقع الميداني
يؤكد كريم ترعة، رئيس الجمعية الوطنية لخريجي الجامعات المعطلين عن العمل على موجات إذاعة Son FM ، أنّ الخطاب الرسمي للسلطة يزعم الوقوف إلى جانب المهمشين والمعطلين، غير أنّ الوقائع تثبت العكس. ففي حين يُقدَّم اعتصام بعض المجموعات أمام المسرح البلدي كواجهة للحراك الاجتماعي، يوضح ترعة أنّ هذه المجموعة لا تمثل الجسم العريض للعاطلين، بل ترتبط مباشرة بحراك 25 جويلية والسلطة، وتقوم بتجميد أو تحريك التحركات في أوقات محددة وفق حسابات سياسية. ويقول في هذا السياق: "هذه المجموعة تمثل قلة قليلة، أما بقية المعتصمين فدافعهم الوحيد هو الفقر والخصاصة ".
الجمعية والقطيعة مع التجاذبات
تأسست الجمعية في أواخر فترة حكم النهضة، وفق ما يوضّح ترعة، بهدف تحصين الحراك الاجتماعي – وخاصة حراك أصحاب الشهائد العليا – من التجاذبات الحزبية والسياسية، وبناء علاقة تشاركية بين المجتمع المدني والأحزاب. ويضيف: "أسسنا الجمعية بغاية إخراج الحراك الاجتماعي من التجاذبات السياسية والقطع مع العلاقة العمودية بين الأحزاب والمجتمع المدني ". لكن هذه المقاربة سرعان ما اصطدمت بجدار من الرفض، إذ قطعت السلطة قنوات التواصل مع الجمعية بمجرد إعلانها التزام الحياد.
القانون 38... بين المصادقة والتنصل
يعتبر القانون عدد 38 محطة فارقة في مسار العاطلين، حيث مثّل شرارة الزخم الشعبي عبر تحركات واعتصامات واسعة. ورغم أنّ الرئيس سارع في البداية إلى المصادقة عليه، فإنه تنكّر لاحقاً لوعوده ورفض تطبيقه عند لقائه بالمعتصمين، دون تقديم مبررات واضحة. وبدلاً من ذلك، طرح خيار "الشركات الأهلية" كحل بديل. ويعلّق ترعة: "رفضنا خيار الشركات الأهلية وتشبثنا بحقنا في العمل في الوظيفة العمومية ".
تغييب الشفافية وإقصاء الأصوات المستقلة
يشير كريم ترعة إلى أنّ السلطة تعمّدت تغييب الجمعية من مسارات التفاوض، حيث رفض مستشار الرئيس المكلف بالملفات الاجتماعية تسليم محضر جلسة يوثّق الاتفاقات، كما رُفضت عشرات المطالب المودعة لدى رئاسة الجمهورية. في المقابل، فُتح المجال أمام مجموعات مرتبطة بالسلطة لقيادة تحركات وصفها بالمشبوهة. ويؤكد: "جميع الحركات الاجتماعية تم اختراقها من طرف السلطة الحالية ".
غياب الإرادة السياسية
يرى رئيس الجمعية أنّ المشكل الأساسي يكمن في غياب إرادة سياسية حقيقية لحل الملفات. فرغم التنازلات التي قدمتها الجمعية، لم تجد أي تجاوب من السلطة، ما يعكس – بحسبه – سياسة ممنهجة لتجميد الحلول. ويقول: "المشكل الأساسي هو غياب الإرادة الحقيقية للسلطة لحل الملفات ".
مبادرات مجمّدة وأبواب مغلقة
كشف ترعة أنّ الجمعية قدّمت مبادرة رسمية إلى البرلمان منذ سنة 2023، لكن تم وضعها على الرفوف. لاحقاً، تمت مناقشة المقترح في لجنة التخطيط والموافقة عليه، غير أنّ رئيس البرلمان أحال الملف إلى رئاسة الحكومة، التي رفضت بدورها الحوار بحجة وجود مبادرة رئاسية قيد التحضير. وهكذا، تجمّدت مبادرة البرلمان، فيما بقيت مبادرة الرئاسة غامضة وغير معلومة.
ملامح المبادرة
و تقوم المبادرة على ثلاثة محاور: تشغيل من طالت بطالتهم وتجاوزوا الأربعين عاماً، تشغيل فرد واحد من كل عائلة، وإدماج ذوي الاحتياجات الخصوصية. غير أن هذه المبادرة، مثل سابقاتها، لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
نحو تجريم الحراك الاجتماعي
يرى كريم ترعة أنّ الدولة اعتمدت سياسة واضحة لتجريم الحراك الاجتماعي، عبر نقل الملفات من رئاسة الجمهورية والبرلمان إلى المحاكم والمراكز الأمنية، ما خلق مناخاً من القمع والتهديد. ويضيف: "هنالك سياسة عامة للدولة تتمثل في تجريم الحراك الاجتماعي بصفة عامة ". كما اتهم السلطة بتحويل ملف وطني يتعلق بالانتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام إلى مجرد أداة للتعيينات السياسية.
بين الوعود الرسمية والواقع المعاش، يظل ملف العاطلين عن العمل رهين التجاذبات والمناورات السياسية. وبين قانون 38 المجمّد والمبادرات الغامضة، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتخذ السلطة خطوة جدية نحو معالجة هذا الملف، أم أنّ مسلسل الوعود سيظل الحلقة المفرغة التي يدور فيها المعطلون عن العمل منذ سنوات؟