ليلة الأحد الـ 20 من أوت 2023 أطلقت وزارة الداخلية بالتعاون مع بلدية أريانة حملة أمنية للقضاء على الانتصاب الفوضوي والاستغلال المفرط للأرصفة، حملة لئن استجابت لمطالب المواطنين وتذمر أصحاب المتاجر، الذين اشتكوا من ازدحام الطريق والمنافسة الشديدة إلا أنها فتحت باب الخصاصة على مصراعيه أمام المنتصبين الفوضويين الذين حفي جلهم للحصول على رخصة إشغال وقتي للطريق العام لكن دون جدوى...
مع بزوغ فجر اليوم التالي، اختفت جميع مظاهر الانتصاب الفوضوي، وتركزت دوريات أمنية مكثفة ومتقاربة على محيط السوق البلدي سيدي عمار بأريانة، بغاية التدخل الفوري عند ملاحظة وجود أي تاجر غير مرخص له.
يقول جمال المكي 50 سنة رب عائلة وحامل إعاقة بصرية بنبرة منكسرة لـSonFM “: انطلقت منذ أكتوبر 2004 في إرسال مطالب الحصول على رخصة إشغال وقتي لبيع الخضر والغلال بالإضافة إلى رخصة انتصاب داخل أحد الأسواق البلدية في أريانة والمنيهلة وحدائق المنزه، ومنذ ذلك الحين بلغت عدد مطالبي المرسلة إلى السلط المحلية والجهوية حوالي 20 مطلبا لم يتم الرد عليها البتة." ما دفعه في أكتوبر 2022 إلى إرسال عريضة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد يشكو فيها خصاصته وفاقته، مطالبا إياه بالتدخل العاجل والإذن بمنحه رخصة بيع التبغ والوقيد.
وأضاف جمال بصوت فيه شيء من الانفعال:“ ما يلزك على المر كان إلى أمر منو "طيلة سنوات حاولت جاهدا الحصول على رخصة، مماطلة السلطات هي التي دفعتني إلى خرق القانون، ها قد افتكوا مورد رزقي الوحيد... كيف سأصرف على أبنائي العائدين إلى مقاعد الدراسة الآن؟"
ليلة الـ 23 من أوت 2023 أثار فيديو نشرته رئاسة الجمهورية التونسية يوثق زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى السوق البلدي بأريانة غضبا شعبيا واسعا، نتيجة تجاهله وعدم تفاعله مع تشكيات التجار من الفساد الحاصل على مستوى منح الرخص.
ويمتد الانتصاب الفوضوي في مدينة أريانة على طول حوالي 1000 متر من حي العياري إلى حي النزهة، وينصب التجار بضائعهم على رصيفي الطريق ووسطه، ما شل حركة مرور السيارات وعطل أشغال المواطنين.
ويقدر عادل (42 سنة) صاحب محل تجاري في أحد شوارع حي النزهة عدد التجار الذين وقع حجز بضائعهم بحوالي 1000 تاجر (رقم غير رسمي) ويقول لـ SonFM لقد شنت الداخلية "حملة ضد الزوالي " عوض محاربة الفساد الإداري وشبكات التهريب التي تعصف بالاقتصاد التونسي. ويشير عادل إلى أن تعنت الإدارة في منح رخص لمن يستحقونها من حاملي الإعاقة والفقراء ومنحها إلى المقربين ودافعي الرشوة، هو ما دفعهم إلى الانتصاب الفوضوي بهدف كسب المال وتوفير أبسط مقومات الحياة، وفق قوله.
هذا ويخضع إسناد رخص الإشغال الوقتي للطريق العام والأسواق العمومية والبلدية إلى شروط ومعايير نادرا ما يتم احترامها، في المقابل يدفع الحاصل على الرخصة مبلغا ماليا يقدر ب 70 دينارا للاستغلال اليومي.
يؤكد الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد شرف الدين اليعقوبي لـ SonFM أن السلطة التقديرية في إسناد الرخص غالبا ما تشوبها تجاوزات قانونية حيث تمنح رخصا لفائدة من لا يستحقها مقابل تجاهل مطالب الفئة الهشة ومحدودة الدخل، مشيرا إلى ضرورة مراقبة مدى احترام السلط الجهوية والمحلية لمعايير إسناد الرخص ومحاسبة من يبيع رخصه أو يورثها.