ساعة أو ساعتان كانتا كفيلتان بأن تتخننق خلالهما مواقع التواصل الاجتماعي أمس الثلاثاء 9 ماي 2023 بالإشاعات وخطاب الكراهية والعنف. ليلة عصيبة مرت على البلاد زادها غياب الاتصال وقت الأزمات سوداوية. إذ حضر كل شيء إلا المعلومة وبغيابها خيم على جزيرة جربة تداول صور خاطئة وهتك لأعراض وسيناروهات أقرب إلى الخيال وسط صمت مدقع للجهات الرسمية و اختفاء أي صوت لها يمكن أن يشفي غليل شعب نهم إلى المعلومة.
سنوات مرت على بلد التمس فيها طريقا لاستراتجية وطنية في ادارة الأزمة، دون أن نبني قواعدا واضحة تقينا شرّ الفاجعة القادمة. لتفشل تونس في ادارة هذه الأزمة الأمنية بغياب المعلومة لتستبدل بالمصادر المطلعة والمؤكدة وشهود العيان الذين وصل إلى أنظارهم كل الروايات إلا رواية وزارة الداخلية، في بلاغها الأخير.
تشترك هذه الحادثة مع غيرها من الحوادث التي مرت على البلاد في انتقال سريع للخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في هذه الأحداث تطغى ما يعرف ب "صحافة المواطنة" التي يتحول فيها المواطن العادي الى ناقل للخبر كونه الأقرب اليه، ويصبح ما ينشره من صور ومقاطع فيديو مادة اعلامية تحدث ردة الفعل الاعلامية الاحترافية، فتبنى عليها المواقف والاستنتاجات وخلاصات الأقوال، فلا نبتعد عنها حتى نقترب منها من جديد لكونها تحمل في طياتها "أكشن" جذاب ويحتمل التصديق، ضاربين عرض الحائط بأخلاقيات المهنة كصحفيين ووسائل اعلامية لا تحترم نفسها ولا تعطي قيمة لقدسية الخبر.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد من الصفحات المناشدة لرئيس الجمهورية وغيرها نشرت على منصة فايسبوك أمس صورة قيل أنها تعود لقاتل عون الأمن في جربة. ووفق منصة Icheck للتثبت في الأخبار الزائفة فإن هذا الخبر زائف٬ إذ نشر صاحب الصورة الأصلي مقطع فيديو "مباشر" على حسابه الرسمي بفايسبوك مؤكدا من خلاله أن لا علاقة له بحادثة جربة بأي شكل من الأشكال. وفق المنصة.
يبدو أن الجهات الرسمية في تونس يطول طهوها لروايتها الرسمية وتجميعها لمعلومات مشتتة، والغالب أن المواطن التونسي لا طاقة له للانتظار أخبار رسمية وعليه ستحاصرنا الأخبار الزائفة كلما جدت أزمة في البلاد، وستأسرنا الصور والفيديوهات التي لا تمت للواقع بصلة مادامت الدولة تغذيها بوضع وجهها في التراب لساعات قبل أن تصدر بلاغا قد يشفي الغليل.
ويذكر أن وزارة الدّاخليّة، أعلنت في بلاغ لها، أنّه أقدم أمس الثلاثاء 9 ماي 2023، عون حرس تابع للمركز البحري للحرس الوطني بأغير جربة على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي والإستيلاء على الذخيرة، ثمّ حاول الوُصُول إلى مُحيط معبد الغريبة وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان والتي تصدّت لهُ ومنعتهُ من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلا.
وأسفرت العمليّة عن إصابة عدد 6 أعوان أمن بإصابات مُتفاوتة الخطورة أستشهد أحدُهم، كما توفّي عدد 2 من الزوّار وإصابة عدد 4 أشخاص آخرين بجُرُوح مُتفاوتة تمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج..في بلاغ متأخر لوزارة الداخلية.