الأحد 16 جويلية 2023… كان يوما مشهود لتوقيع مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والإتحاد الأوروبي، ليتم نشر نقاطها العريضة على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية التونسية على صفحتها الرسمية بموقع فايسبوك.
لكن الملفت للانتباه أن ملف الهجرة يتذيل ترتيب الملفات الحارقة التي تدور حولها المذكرة في ترتيب يدعو إلى الوقوف والـتأمل والعودة قليلا إلى الخلف.
ليتبين للمتابعين أن ملف الهجرة الحارق والعاجل والذي تدق حوله كل نواقيس الخطر هو ما ألقى بالإتحاد الأوروبي بطم طميمه على عتبات قصر قرطاج، بين أحضان الرئيس قيس سعيد.
وهو الركيزة الخامسة التي جاءت بمذكر التفاهم حيث شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية في زيارتها أمس على الحاجة إلى تعاون فعلي أكثر ممّا كان.
وأكّدت المتحدّثة على أهمية ضرب الشبكات الإجرامية والمهرّبين الذين يستغلون بؤس الناس، مضيفة أنّه سيتمّ العمل على تعميق الشراكة وترفيع التعاون على مستوى البحر والنجدة، إضافة إلى ذلك سيتمّ في إطار إدارة الحدود ومجابهة تهريب المواطنين العمل على إنفاذ القانون، وتخصيص 100 مليون أورو من تمويلات الاتّحاد الأوروبي، كاشفة أنّه سيتمّ العمل على تيسير الهجرة القانونية، في الوقت الذي قال فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد أن المذكرة نصت على ضرورة التقارب بين الشعوب في وقت تتطلع فيه شعوب العالم إلى التآزر والتعاضد، بين الدول وفق تعبيره، مضيفا أن تونس تريد مساواة فعلية ولا تريد عطفا من دون احترام".
زيارتان في فترة وجيزة وقياسية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دين لاين والوزير الأول الهولندي مارك روته وثلاث زيارات متكررة لرئيسة مجلس الوزارء الإيطالي جوجيا ميلوني يعكسان حالة الخطر والضرورة الملحة لإقناع تونس بالإمضاء على حزمة من البنود ترضي الطرفين أو ربما لا ترضي أي منهما، لكن الحاجة أم الإتفاقيات، فلا أحد يمكن أن يحسم في هذه السياسيات غير الأيام التي ستبدي لنا ما كنا نجهله، فلا التصريحات ولا الصور ولا البيانات تمكن أن تعطي الصورة كاملة عما يحدث في أروقة قصر قرطاج بين سعيد و ما سمي سابقا على لسانه " بالاملاءات الخارجية.
لكن ما يدعو إلى التساؤل والاستفهام هو موقف الإتحاد الأوروبي الذي تتجه بوصلته نحو سياسية التعتيم والانغلاق والاكتفاء بالاقتضاب في الشرح والتوضيحات والزج بنقاط هلامية مستقطبة على غرار التنمية المستدامة والمساعدات الاقتصادية ومعاضدة مجهودات المجتمع المدني وتقديم المعونة إلى البلاد التونسية ليخرج في ثوب المنقذ الذي امتهن دور البطولة.
وهنا لا بد من التذكير بموقف الإتحاد الأوروبي من سياسيات الرئيس قيس سعيد تزامنا مع أحداث 25 جويلية 2021 حيث دعا مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل -عقب اجتماعه مع الرئيس سعيد- في أكتوبر 2021 إلى عودة البرلمان والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية في البلاد.
وقال بوريل -في بيان أصدرته المفوضية الأوروبية- آنذاك "نقلت إلى الرئيس المخاوف الأوروبية في ما يتعلق بالحفاظ على مكتسبات الديمقراطية في تونس، وهي السبيل الوحيد لضمان استقرار البلاد وازدهارها.
ومع تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية وما باتت تشكله من ثقل على عاتق أوروبا، إذ تفيد بيانات رسمية صادرة عن وزراة الداخلية الإيطالية، بتدفق ما يقارب 49 ألف شخص إلى السواحل الإيطالية منذ بداية شهر جانفي حتى شهر ماي 2023 ، أغلبهم وافدون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، استخدموا تونس كنقطة عبور ، تحولت مواقفهم بين ليلة وضحاها من منادين بالعودة إلى الشرعية إلى الجلوس على طاولة واحدة مع سعيد وتوحيد وجهات النظر والاتفاق على معالجة "أزمة الهجرة"- رغم أن من مبادئهم أن تتسم اجراءات الاتحاد الاوروبي بالشفافية- مع رئيس سبق وأن صمّ أذان الجميع بعدم انصياعه وحكومته لأي شكل من أشكال ليّ الذراع من طرف الجهات الخارجية.