×
×

نظرية المؤامرة : حبل مشنقة في يدّ قيس سعيد


زينب باسطي
زينب باسطي
نشر في 2023/03/15 11:59
TT
11

حدّث الفيلسوف هيغل قال إنّ "الأفارقة السود هم جنس من الأطفال لا يزالون غارقين في حالة من السذاجة"، وحدّث رئيس الجمهورية قيس سعيد قال غداة دعوته إلى انعقاد مجلس الأمن القومي في 21 فيفري 2023 معلنا تبنّيه مقولة “الاستبدال الكبير” المؤامراتية وضلوع مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء فيها متّهما “جحافل المهاجرين غير النظاميين” بـضلوعهم في “العنف وجرائم وممارسات غير مقبولة.

خيط رفيع ينظم به رئيس الجمهورية خطاه نحو التفرقة، فلا تحلو له المجاليس إلا وقد هتك فلانا أو اتهم آخر بالتخوين والتآمر مع جهات أجنبية أو حياكة مؤامرات في الغرف المظلمة.

مؤامرتية مقيتة تسكن أعماقه حتى أضحت هيستريا جماعية وهي ظاهرة تنقل مجموعة أوهامٍ وتهديدات سواء كانت حقيقة أو خيال داخل المجتمع لتخويفهم.. الأمر الذي لا يتهاون في فعله ساكن قصر قرطاج كل ما رصد أعين الكاميرا، هيستريا جماعية تفرض نفسها لفهم الموجة العنصرية الهوجاء ضد المهاجرين وطالبي اللجوء السّود في تونس التي لا تعبأ بالحقائق ولا تهمّها الإحصائيات ولا التداعيات اللاإنسانية على ضحاياها وموت الإنسان في بلادها ولا تعرضه لشتى أنواع التنكيل، رغم سعيها المحموم للتجييش ونشر الافتراءات وإشاعة الخوف.

وقد نجم عن هذه التصريحات ما كان في الحسبان إذ عمت الأخبار اعتداءات استهدفت السود الأجانب، وحتى التونسيين الذين يمثلون بحسب بعض تقديرات المجتمع المدني التونسي ما بين 10 و15% من مجمل السكان هرسلة، عنف، إيقافات عشوائية، إذلال، اعتداءات على الممتلكات وحرقها، طرد من العمل، طرد من محلات السكن، دعوة الى الترحيل. وانتشر الخوف في صفوف المهاجرين من جنوب الصحراء كما تنتشر النار في الهشيم، لتضحي معيشتهم في تونس ضنكة لا تطاق، مشكلة صورة ملطخة بقهر العنصرية أبطالها شعب ورئيس دولة، باعتماده خطاب المؤامرة واستحضار صورة “العدو الداخلي”، التي شاعت زمن الحرب الباردة، ضد المجموعة الأقل قدرة اليوم في تونس على الدفاع عن نفسها وعن حقوقها والتي لا يمكن فصله عن وظائفه السياسية. فالنتيجة البديهية الأولى “للمؤامرة” هي شرعنة حالة الاستثناء، لأنالمؤامرة تنزع أي شرعية عن التشابك والاختلاف والنقاش وتبادل الآراء في المجال العام.

 “المؤامرة” تقتل السياسة على مذبح وزارة "الامن"، وتعطي الرئيس وأجهزته الأمنية والعسكرية كل الصلوحية لإقصاء المختلفين وعقاب المنتقدين وتخوين الرافضين و تطويع وترويض كل الأجسام التي تُعتبر مارقة. “المؤامرة” باعتمادها على “عدو داخلي” يُستعار في تمثّله المخيال الاستعماري الذي حرّض دائما على توحيش السود، تُشيع الخوف في كل القلوب وتؤجج التوتر الإثني وتفسح المجال لغلبة الانتماء العرقي على حساب الانتماء الإنساني والتضحية بالهوية الطبقية لصالح الهوية القطرية والتنازل عن الفعل الاحتجاجي على حساب الفعل الفردي الغوغائي و تلقي بكونية حقوق الانسان من شاهقٍ. “المؤامرة” توظّف الخوف من الآخر كأداة سياسية، ليصبح مبرّرا للسيطرة والإخضاع والتحكّم والرقابة الداخلية والقمع الممنهج. و"المؤامرة" تسمح أيضا بتحويل وجهة الرؤية عن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وبطش الشرطة ونفاذ المواد الأساسية واستفحال الفقر والتهميش وغياب أي تصور لسياسة اقتصادية واجتماعية بديلة عن تلك التي اتبعتها الحكومات السابقة وهي  سردية تجد طريقا إلى قلب الشعب التونسي فيرحب بها و يثني عليها.

وفي عودة على من يريد الشعب والدولة طردهم لتطهير العرق الاثني للبلاد نجد أنهم بالأساس من ساحل العاج والكونغو الديموقراطية وغينيا ومالي والذين تستهدفهم الحملة العنصرية اليوم في تونس هم من أكثر المجموعات هشاشة في مجتمعنا، يُمثّلون معدل السن الأصغر ضمن مجموع الأجانب المقيمين في تونس (26سنة) ويضمّون النسبة الأضعف من حيث التحصيل على شهادة جامعية. وهم في غالبيتهم الساحقة عمال (أكثر من 98%) يشتغلون في القطاعات الأقل تخصصا وبالتالي الأكثر ارهاقا استغلالا: 60% منهم في الخدمات، 20,5 % في البناء 21,5% (تقرير المسح الوطني للهجرة الصادر عن المرصد الوطني للهجرة والمعهد الوطني للإحصاء.).

أي أن عطوبتهم ورفض الدولة تسوية وضعياتهم جعل منهم لقمة سائغة في أيدي مشغليهم. كلّهم منحدرون مثلنا من دول عرفت الاستعمار، تعيش أزمات اقتصادية خانقة، بعضها خربته النزاعات المسلحة والنهب الممنهج لثرواته وبعض آخر خربته عنجهية الحكام.

موجة عنصرية أحرقت أخضر تونس فباتت بلون الرماد تفوح منها رائحة الهمجية و دعوى الاقصاء و يطغى على حاكمها لون اللاإنسانية، الذي أعدم فينا بحبل المؤامرة الذي يضعه على رقابنا وتحجر فكره و محدودية أفكاره كل أمل في الارتقاء بين الشعوب.

صوفية الصفاقسي


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld