بتاريخ 21 مارس 2022 صدر مرسوم رئاسي يتعلق بإحداث نظام قانوني خاص بالشركات الأهلية يقوم على المبادرة الجماعية والنفع الجماعي، قانون طالما تحدّث عنه رئيس الجمهورية في تصريحاته وخطابته.
وسرعان ما أخذ هذا المصطلح "الشركات الأهلية" حيزا من المكان والزمان وأصبح حديث الحوارات والبلاتوهات التلفزية للتعريف به والنقاش عن مدى جدواه في ظل ما تعيشه تونس من ركود اقتصادي، خاصة وأنّ رئيس الدولة كان قد صرّح أنّ الشركات الأهلية تشجّع على المبادرة الخاصة وتساهم في التقليص من نسب البطالة خاصة في صفوف الشباب.
ووفق المرسوم الصادر والمتعلق بالشركات الأهلية فإنّ هذه الأخيرة تمثّل كل شخص معنوي تحدثه مجموعة من متساكني الجهة ويكون الباعث على تأسيسها تحقيق العجالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرين بها.
ووفق ذات المرسوم فإنّ الهدف من الشركات الأهلية هو تحقيق التنمية الجهوية وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع خصوصيات مناطقهم وحاجياتها.
وانطلقت الشركات الأهلية في التأسيس في عديد الولايات وأول شركة كانت في ولاية المهدية وتحديدا معتمدية ملولش حيث صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ الـ8 من أكتوبر الإعلان عن تأسيس أول شركة أهلية تحت اسم "الشركة الأهلية المحلية الاتحاد أولا جاب الله.
ووفق ما ورد في الرائد الرسمي فإنّ مقدار مال الشركة القابل للاكتتاب يقدّر بـ 60000 دينار، وستكون الشركة بمثابة مركز تجميع الحليب وتقوم بجمع الحليب من الفلاحين بالإضافة إلى نقطة بيع أعلاف وخدمات متنوعة.
"الشركات الأهلية لا علاقة بالسياسة"
نورة الثامري شابة تونسية أصيلة ولاية مدنين وتحديدا منطقة جرجيس صاحبة شهادة عليا في اختصاص علوم الحياة والأرض، قالت إنها معطّلة عن العمل منذ 14 سنة.
والثامري تقول إنّها رفقة مجموعة من الشبان تلقوا تأطيرا من طرف مجموعة من المتطوعين في ولاية مدنين بعد صدور المرسوم مباشرة، مشيرة إلى أنّ ثلاثة أفكار من بين أربعة أفكار التي أتت بها المجموعة تجسّدت.
وبيّنت محدّثتنا أنّ فكرة الشركات الأهلية يجب أن تتلاءم مع خصوصيات كل جهة، ذاكرة أنّ منطقة جرجيس تتميز بالزيتون وبنقص وسائل النقل فيها نظرا وأنها مدينة ساحلية تحتاج إلى ربط مباشر بالمطار وربط بمحطة القطار جرجيس قابس، ومن هنا انبثقت فكرة شركة أهلية متخصصة في النقل وشركة أخرى للعناية بالقطاع الفلاحي وخاصة قطاع الزياتين، متابعة "جرجيس فيها مليون و500 ألف زيتونة، أما الفكرة الثالثة فتقوم على تقديم خدمات للبحارة، والشركة الرابعة تحت اسم شركة الإعلام والثقافة ستكون في شكل مجلة إلكترونية وإذاعة متلفزة ومجلة ورقية".
وأفادت نورة الثامري أنّ الشركة الفلاحية للتنمية بجرجيس أُطلق عليها اسم "نيوزار" أي بمعنى جرجيس الجديدة.
وفي إجابتها عن سؤالنا المتعلق بالإجراءات الإدارية لبعث شركة أهلية، كشفت محدّثتنا أنّ الصعوبة كانت في اقناع أهالي المنطقة للانخراط في مشروعهم نظرا لانعدام الثقة بين الأهالي والسلطة، وأكّدت أنّه تمّ اقناعهم بأنّ الشركات الأهلية لا علاقة لها بالسياسة.
وبخصوص انطلاق العمل الفعلي لعمل الشركة، قالت رئيسة اللجنة التأسيسية لشركة التنمية الفلاحية بجرجيس إنّه تمّ الانتهاء من عملية الاكتتاب وعملية إيداع العقد في المحكمة وحجز الاسم.
والثامري تشير إلى أنّ الجلسة العامة التأسيسية للشركة مرت يوم 25 أفريل الفارط وتمت المصادقة إثرها على العقد وعلى النظام الأساسي وتم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، والآن هم في مرحلة التحضير الوثائق الرسمية للتسجيل في السجل الوطني للمؤسسات.
نورة الثامري أصيلة ولاية مدنين سينطلق العمل الفعلي لشركتها وزملائها في غضون الأيام المقبلة وفق تعبيرها، وحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية فإنّ عدد الشركات الأهلية التي تم تأسيسها يبلغ 30 شركة في مجالات مختلفة من فلاحة وصناعة وصناعات تقليدية وسياحة ونقل أفراد.
"الشركات الأهلية غير موجودة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني"
وزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق والمختص في التنمية فوزي بن عبد الرحمان يؤكّد بدوره أنّ الشركات الأهلية تتنزل في اطار ما يسمى بالاقتصاد البديل وهذا الأخير يقوم على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، نافيا وجود أدبيات للشركات الأهلية أي لا وجود لها في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ذاكرا على سبيل المثال الشركات الأهلية في البرازيل والتي تم الحاقها بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
وأفاد بن عبد الرحمان بأنّ تجارب المقارنة الخاصة بالاقتصاد البديل خالية تماما بالشركات الأهلية وبالتالي لا وجود لها فعليا في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
"إنجازات الشركات الأهلية لن توقف نزيف البطالة"
وبخصوص أهداف الشركات الأهلية التي جاءت على لسان رئيس الجمهورية قيس سعيّد والتي تتمثل في خلق الثروة والقضاء على البطالة، أكّد محدّثنا أنّ خلق الثروة يقتضي حوكمة فعلية وامكانيات تمويل، وهذا الأخير لا يتوفر في الشركات الأهلية نظرا وأنّ التمويل سيكون من مداخيل الصلح الجزائي، إضافة إلى أنّ حوكمتها غير واضحة.
وذكر الوزير الأسبق أنّ أساس التعاون بين المجموعة التي ستقوم بتأسيس شركة أهلية ليس المشروع في حدّ ذاته بل القرابة في السكن وهذا ما سيغذي الجهوية والعروشية، قائلا إنّ المؤسسات الاقتصادية لا تبنى على هذا الأساس، بل تُبنى على سوق وحوكمة فعلية ومصادر تمويل.
وكشف فوزي بن عبد الرحمان أنّ عدم تسمية الشركات الأهلية صلب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعود لغياب الاستقلالية السياسية، ومرجع نظر الشركات الأهلية هي الولاة بالنسبة للشركات الأهلية المحلية ووزير الاقتصاد بالنسبة إلى الشركات الأهلية الجهوية.
وأكّد المختص في التنمية ووزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق أنّه كان من الأجدر إعطاء الأولوية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني لخلق الثروة وبعث مواطن شغل عوضا عن البحث عن بديل غير واضح المعالم.
وفوزي بن عبد الرحمان يشدّد على أنّ هدف الشركات الأهلية ليس تشغيليا بالأساس وانجازاتهم لن تفعل شيئا للحدّ من ظاهرة البطالة.