بين الاحتفال والتضييق: مفارقة المشهد السياسي الراهن
في تصريحاته الأخيرة، عبّر بلقاسم حسن، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، عن المفارقة العميقة التي تعيشها الحركة بمناسبة الذكرى 44 لتأسيسها. ففي حين تُحيي النهضة ذكرى انطلاقها بتاريخ 6 جوان 1981، تعيش قياداتها وضعًا قاسيًا بعد 25 جويلية، يتجلى في اعتقال كبار أهم قياديي الحركة وإغلاق مقراتها، ما اضطرها إلى مواصلة نشاطها عن بعد. وأكد حسن أن هذه التضييقات لا تستهدف النهضة فقط، بل تشمل المشهد السياسي بكافة أطيافه.
النهضة: مشروع فكري ومجتمعي في قلب التونسيين
أكد حسن أن حركة النهضة ليست مجرّد حزب، بل هي مشروع فكري، سياسي، ثقافي ومجتمعي حي في وجدان عدد كبير من التونسيين، ورغم محدودية الحضور في الإعلام المحلي، فإنها لا تزال حاضرة على المستويين الإقليمي والدولي. كما شدد على أن الحركة لم تدّع يوماً العصمة من الخطأ، بل اعتبرت أن من يعمل يخطئ، والأخطاء جزء من التجربة الثورية التي تشكلت بعد 2011.
التقييم الذاتي والنقد الداخلي: مؤتمر قادم بأوراق مكاشفة
أوضح حسن أن النهضة قامت بإعداد تقييم شامل لمسارها، وهو جاهز ليُعرض في المؤتمر القادم كوثيقة رسمية، موجهة ليس فقط لأبناء الحركة، بل لكل التونسيين، بما فيهم المنتقدين. وأكد أن النهضة لم ترتكب "جرائم بحق الثورة"، وأنها على العكس، كانت ولا تزال مستعدة للاعتراف بالأخطاء والتعلّم منها.
تجربة التوافق مع نداء تونس: مكسب لم يُستثمر كما يجب
اعتبر بلقاسم حسن أن تجربة التوافق بين النهضة ونداء تونس كانت أحد أهم المنعطفات الإيجابية في المسار الثوري، ولولاها لسقطت الثورة منذ بداياتها. غير أن نهاية هذا التوافق جاءت نتيجة الصراع حول حكومة يوسف الشاهد، مؤكدًا أن التوافق كان منقوصًا من حيث التأطير والتنظيم السياسي.
الفصل بين الدعوي والسياسي: تأكيد المرجعية الإسلامية في إطار مدني
في ما يتعلق بالفصل بين النشاط الدعوي والسياسي، شدد حسن على أن الحركة لم تتخلَ عن مرجعيتها الإسلامية، بل أعادت ترتيب أولوياتها من أجل الصالح العام. وأكد أن "الفصل" لا يعني التخلي عن الدين، بل منع استغلاله لأغراض سياسية. كما أوضح أن خروج بعض الأعضاء من الحركة كان نتيجة صراعات داخلية وليس اعتراضًا على هذا الخيار الاستراتيجي.
الخيارات الانتخابية في 2019: قراءة في المشهد والتحالفات
أعاد حسن سرد كواليس الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، مشيرًا إلى أن النهضة فضّلت دعم شخصية وطنية خارج صفوفها، لتكون مرشحًا ائتلافيًا. وطرحت الحركة أسماء مثل مصطفى بن جعفر ونجيب الشابي، لكن فشل التوافق دفع بعض من قواعدها للتصويت لمرشحين آخرين، أبرزهم قيس سعيد. واعتبر حسن أن قواعد النهضة كانت العامل الحاسم في صعود سعيد إلى الدور الثاني، مؤكدًا أن قرار دعم مرشح خارجي فُهِم خطأً كعلامة ضعف في الالتزام السياسي.
المحكمة الدستورية وحكومة الجملي: إخفاقات تقاسمها الجميع
حمّل حسن مسؤولية فشل تشكيل المحكمة الدستورية لكل الأطراف السياسية، نافياً أن تكون النهضة هي من عرقل هذا المسار. كما أقر بفشل حكومة الجملي، معتبرًا ذلك خطأ استراتيجياً. واعتبر أن تشكيل حكومة الفخفاخ كان خطوة تمهيدية لإقصاء النهضة، مما أعاد رسم معالم الأزمة السياسية في البلاد.
قيس سعيد و25 جويلية: من الثقة إلى القطيعة
تحدث بلقاسم حسن عن العلاقة المعقدة بين النهضة والرئيس قيس سعيد، التي بدأت بثقة وانتهت بمواجهة مفتوحة. وأوضح أن النهضة كانت منفتحة على التعاون، لكنها فوجئت بما وصفه بـ"الانقلاب على الدستور والديمقراطية" ليلة 25 جويلية. وأشار إلى أن سعيد رفض التعديلات القانونية والتحويرات الوزارية، ما ساهم في تعطيل المسار المؤسساتي.
القادة في السجون والحركة محاصرة: أزمة الحرية السياسية
انتقد حسن بشدة ما وصفه بالحصار المفروض على النهضة، عبر اعتقال قياداتها البارزة مثل راشد الغنوشي، علي العريض، نور الدين البحيري وغيرهم، إضافة إلى إغلاق كل مقراتها الجهوية والمحلية. ووصف هذه الإجراءات بأنها سياسية وليست قانونية، لعدم وجود أي إدانة حقيقية حتى الآن.
نحو مبادرات وطنية لإنقاذ تونس
في ختام تصريحاته، دعا حسن إلى إطلاق حوار وطني يجمع كل القوى السياسية والمجتمعية، مؤكدًا انفتاح النهضة على كل المبادرات التي تهدف إلى إنقاذ تونس من أزماتها السياسية والاقتصادية، على غرار مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان. واعتبر أن الخروج من الأزمة يمر عبر التوافق الحقيقي والعودة إلى الشرعية الدستورية.