رفض "إملاءات" صندوق النقد الدولي وقال إنّه يجب الإعتماد على أنفسنا، هكذا تحدّث الرئيس قيس سعيّد إبّان إعراب الصندوق تخوفه من الوضع في تونس وإبان الخيارات التمويلية المفروضة.
تصريحات أثارت دهشة المجتمع الدولي خاصة في ظلّ وضع إقتصادي حرج والتزامات مالية في شكل ديون خارجية تتجاوز الـ 2 مليار دولار وعجز في الميزان التجاري وغيرها من التحديات التي تشهدها البلاد.
كان يفترض أن تحصل تونس على تمويل بقيمة 1,9 مليون دولار من صندوق النقد لإصلاح التوازنات المالية وتمويل الميزانية وفتح الآفاق لابرام اتفاقات مالية جديدة مع أطراف مانحة أخرى، لكن ذلك الاتفاق قد تعطّل..
وكان صندوق النقد الدولي قد وضع جملة من الشروط مقابل ذلك من بينها إعادة هيكلة أكثر من 100 شركة ورفع الدعم وخفض كتلة الأجور .. لكنّ سعيّد يرى أنّ كل ذلك يزيد البلاد فقرا.
لطالما كانت شروط صندوق النقد صارمة، باعتبار أنّها تثقل كاهل المواطنين وتزيد من نسب التضخم والضرائب وتقلّص عدد الموظفين في القطاع العمومي وترفع الدعم عن السلع والخدمات لكنّ حلقة التداين من الصندوق يصعب الخروج منها خاصة في ظل غياب استراتيجية دقيقة ينجزها خبراء مختصون ومن ذوي الكفاءة.
بالمقابل قد تراهن تونس على مواردها الفلاحية، لكنّ المناخ له رأي آخر، فالبلاد تعاني الجفاف ناهيك عن تلف عدد كبير من المحاصيل حتى أنّ الخبير في الاستراتيجيات الفلاحيّة فوزي الزياني تكهن بأن تونس قد تستورد أكثر من 90% من حاجاتها من الحبوب هذه السنة، وقال إنّ المراهنة على قطاع الفلاحة يلزمه التحضير مسبقا وتجهيز استراتيجيات دقيقة وهو ما يغيب في تونس.
قد تراهن البلاد أيضا على قطاع الفسفاط، لكن وتيرة الانتاج ليست متواصلة نتيجة عدة عوامل من بينها الإضرابات وتعطيل السكك الحديدية.. بالإضافة إلى أّنّ إنتاج الفسفاط يحتاج موارد مائية ضخمة في حين تشهد تونس أزمة في المياه.
قد تراهن الدولة على جارتها الجزائر أو على الانضمام إلى بريكس لكن لا شيء يضمن أنها ستحل الأزمة بذلك.
ويمكن أيضا أن تتوجه الحكومة إلى فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخل المرتفع مما يخول لها تعبئة موارد إضافية وموازنة الميزانية ودخل الأفراد، لكن أصحاب رؤوس الأموال لن يرحبوا بهذا الاجراء ويقبلوا به بسهولة.
ويمكن أيضا أن يتم التوجه نحو التقشّف والحد من التوريد، لكنّنا لا نملك من الموارد ما يخول لنا الانكماش على أنفسنا.
من المحمود أن نفكر في حلول جذرية للقضاء على التداين، والقضاء على هيمنة صندوق النقد الدولي.. ومن المحمود أيضا أنّ الموضوع قد طرح على الأقل وبتنا نفكر في سبل تطبيقه على أرض الواقع، لكنّ ذلك لا يحدث بين ليلة وضحاها، ولا يحدث دون دراسات دقيقة ومعمقة ودون تجنيد كل الوسائل والموارد للوصول بالبلاد إلى قارب النجاة، دون إثارة نقمة المواطنين وجعلهم يخرجون للاحتجاج ودون إثارة تخوفات الغرب من التضييق على الحريات أو تدفق أفارقة جنوب الصحراء إلى أراضيهم ودون إثارة شكوك الدائنين في التخلف عن سداد الديون تجاههم والأهم دون الوقوع في مآزق مالية.