في خطوة مفاجئة، تم تعيين إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية السابق ووزير المالية السابق، مديرًا عامًا لأكبر شركة مشروبات خاصة في تونس. حيث من النادر أن ينتقل رؤساء الحكومات السابقين إلى مناصب قيادية في الشركات الخاصة، وذلك لأسباب متعددة تتعلق بالقلق أو بالحذر إزاء تضارب المصالح وقدرتهم على حفظ سرية المعلومات الحكومية أو المعلومات الممتازة والحساسة التي تحصلوا عليها أثناء ادائهم لمهامهم في الحكومة.
فعندما يتولى رئيس حكومة سابق منصبًا هاماً في القطاع الخاص، قد يثير ذلك مخاوف من استغلال نفوذه السياسي السابق لصالح شركة معينة، خصوصاً إذا كانت لديها علاقات تجارية مع الحكومة. فالأمر هنا يتعلق بالصورة العامة والرمزية للقائد السياسي. حيث وبمجرد انتقال الفخفاخ إلى دور تنفيذي في القطاع الخاص، يمكن لذلك أن يُفسر على أنه نوع من التحول في استخدام "الرأسمال السياسي" (Political capital) لصالح الشركة، مما يمكن أن يكون له تأثير على تصور الرأي العام للشركة وللسياسي نفسه. إلى جانب ذلك، يمكن لرئيس الحكومة السابق أن يكون على علم بمعلومات حساسة يجب أن تبقى داخل الأروقة الحكومية، مما يضع عبئاً إضافياً من الشكوك حول مدى قدرته على الحفاظ على هذه المعلومات.
ومن ناحية انطباع الرأي العام حول هذا التعيين، فبإمكانه أن يثير تساؤلات حول مدى استفادة هؤلاء السياسيين من مناصبهم السابقة للحصول على فرص عمل مربحة. وقال إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسي السابق، في تصريحات له عقب تعيينه مديرًا عامًا للشركة: "أشكر مجلس إدارة [الشركة] على الثقة التي وضعها في شخصي. إنه لشرف كبير لي أن أتولى اليوم مهام مدير عام، وسأكرس كل طاقتي لتعزيز حضور الشركة ومواصلة نموها".
وكان إلياس الفخفاخ قد واجه مشاكل متعلقة بتضارب المصالح مما أدى إلى استقالته سنة 2020. فقد كان يمتلك شركات خاصة تنشط في قطاع النفايات، بينما كانت الحكومة التي يرأسها مسؤولة عن منح التراخيص وتنظيم هذا القطاع. وقد واجه الفخفاخ اتهامات باستخدام نفوذه الحكومي لصالح شركاته الخاصة. ففي جويلية 2020، صوت البرلمان التونسي على إقالة الفخفاخ بحجة تضارب المصالح. وقد استند البرلمان في قراره على تقرير صادر عن هيئة مكافحة الفساد، والذي خلص إلى أن الفخفاخ قد ارتكب مخالفات متعلقة بتضارب المصالح.
وفي أكتوبر 2020، أصدرت محكمة التعقيب قرارا باتّا يقضي بحفظ التهم في حق رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ. وفي أول تعليق له بعد القرار، قال الفخفاخ في تدوينة على صفحته الرسمية بالفيسبوك:
"الحق يعلو ولا يعلى عليه، الحمد لله وبه نستعين. وأخيرا، وبعد صبر جميل على الظلم والإساءة، وبعد نأي بالنفس عن المهاترات والاستفزازات، أنصفني اليوم القضاء نهائيا وبرأني من التهم الكيدية المنسوبة لي ظلما وبهتانا واظهر الحق جليا ونسف ما قيل عني خلال الحملة المسعورة الظالمة للإطاحة بالحكومة التي نالني شرف ترأسها. يؤكد هذا القرار مرة اخرى ان ما بني على باطل فهو باطل ويذكر بان الحق مزعج للذين اعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه."
وكان قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي قد أحال الفخفاخ على أنظار دائرة الاتهام بحالة سراح من أجل تهم تعلقت بتضارب المصالح وتقديم معطيات مغلوطة لشركة تابعة له، أو لأحد أقاربه وغيرها من التهم. إلا أن دائرة الاتهام نقضت قرار ختم البحث الصادر عن قاضي التحقيق وقررت حفظ التهم في حق الفخفاخ. توجهت النيابة لتعقيب القرار، إلا أن محكمة التعقيب رفضت الطعن.