تأسس حراك "أصوات عاملات الفلاحة" سنة 2023 بمبادرة من أكثر من 300 امرأة عاملة في القطاع الفلاحي من جهات سيدي بوزيد، القيروان، وصفاقس – جبنيانة. ويهدف الحراك إلى الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء العاملات في هذا القطاع، في ظل أوضاع هشة وتجاهل رسمي وإعلامي. تؤكد سارة بن سعيد، المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء، أن الهدف من دعم هذا الحراك هو إيصال صوته إلى أصحاب القرار والمجتمع والصحافة، خاصة أن نساء هذا القطاع لا يُسمعن إلا عندما يتمركزن في العاصمة.
مسيرة ومؤتمر تحت شعار الاعتراف
في إطار أنشطته، نظم الحراك مسيرة ومؤتمرًا تحت شعار "اعترفوا بمهنة عاملة في القطاع الفلاحي"، حيث رفعت النساء شعارات تُطالب بالاعتراف المهني، التغطية الاجتماعية، والنقل الآمن. تميز المؤتمر الثاني للحراك بالاستماع إلى شهادات نساء عاملات في الحقول، وتقديم عرض مسرحي بعنوان "بطاقة تعريف: لا شيء" للمخرجة النسوية هالة عياد، في محاولة فنية لتجسيد واقع النساء المنسيات في هذا القطاع.
من حادثة السبالة إلى وعي جماعي
شكّلت حادثة السبالة سنة 2019 – والتي أودت بحياة 13 عاملة فلاحية – لحظة فارقة في مسار هذا الحراك، إذ عمّقت الوعي بضرورة التنظيم النسوي والعمل الجماعي من أجل تغيير واقع النساء. وتشير سارة بن سعيد إلى أن تلك المأساة كانت دافعًا رئيسيًا للضغط من أجل تحسين أوضاع العاملات وظروف عملهن.
نضال يقابله التهميش والتضييق
تتعرض العديد من النساء المشاركات في الحراك إلى هرسلة من قبل السلطات وحرمان من العمل من طرف بعض الفلاحين. هذا بالإضافة إلى ما وصفته سارة بـ"القطيعة التامة بين المجتمع المدني وأصحاب القرار"، رغم وجود قوانين مثل القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد النساء، والقانون عدد 51 لضمان نقل آمن، لكنها ظلت حبرًا على ورق بفعل البيروقراطية والتعقيدات القانونية.
شهادات من الميدان: صوت العاملات لا يُكسر
تقول نزيهة دبابي، عاملة فلاحية وناشطة في الحراك، إن هذه الحركة تأسست على أساس التضامن والعمل المشترك، في ظل تقاطع نضالات النساء وتعرضهن للاستغلال من قبل الوسطاء. وتضيف: "نُطالب بقانون يحمي العاملات في النقل والتغطية الاجتماعية والاعتراف بنا كمهنة قائمة الذات".
غياب الإرادة السياسية وتهميش ممنهج
تنتقد سارة بن سعيد ضعف الميزانية المخصصة لوزارة الأسرة والمرأة، التي لا تتجاوز 0.5% من ميزانية الدولة، معتبرة أن ذلك يعكس غياب الإرادة السياسية لحماية النساء وتمكينهن. كما تشير إلى أن الخطاب الرسمي يركز دومًا على النساء كحلقة أضعف، دون مساءلة الرأسمال والمستغلين الحقيقيين في القطاع الفلاحي.
ملكية الأرض: غبن مزدوج
رغم أن النساء يشكلن 80% من اليد العاملة الفلاحية، إلا أنهن لا يمتلكن سوى 0.4% فقط من الأراضي، ما يجعل نضالهن لا يقتصر على حقوق العمل، بل يمتد إلى الحق في الأرض والتمكين الاقتصادي.
نحو تصعيد نضالي منظم
في ختام المؤتمر، قُدمت عريضة موقعة من أكثر من 1500 عاملة في القطاع، تطالب بالاعتراف الرسمي بمهنتهن، مع التهديد بتنظيم إضراب عام للعاملات الفلاحيات، في خطوة تصعيدية تؤكد عزمهن على مواصلة النضال حتى تحقيق العدالة والكرامة.
حراك "أصوات عاملات الفلاحة" هو أكثر من مجرد احتجاج، إنه حركة اجتماعية تنبع من أعماق الحقول، تقودها نساء كسرن جدار الصمت، ورفعن صوتًا طال تهميشه. إن الاعتراف بهن وبحقوقهن ليس مطلبًا فئويًا، بل واجب وطني وإنساني على الدولة والمجتمع معًا.