عام واحد، كان كافيا ليحبس العالم أنفاسه أمام شبح الجوع. كان ذلك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التي تسببت في أزمة غذاء معولمة قوامها زيادة نسب الجياع في العالم وارتفاع أسعار المواد الغذائية.. لكن، وبشقّ الأنفس، نجى العالم من سيناريو انهيار النظام الغذائي العالمي كليّا بفضل تضافر جهود المجتمع الدولي للتقليص من حدّة الأزمة.
بيد أنّ أزمة الغذاء ليست مشكلة آنية.. والجهود الدولية التي جاءت إثر الحرب الروسية الأوكرانية ليست إلاّ حلاّ مؤقتا، وانهيار النظام الغذائي العالمي ليس إلاّ رهن كارثة طبيعيّة أو فشل أحد المحاصيل الرئيسيّة.
نظام غذائي عالمي هش يعضده نظم غذائية محليّة هشة، يتطلّب تجاوزها تضافر الجهود العالمية ماليا وعمليا، بما أنّ الأزمة إنسانية بالأساس.. وبالتالي فإنّ منح الدول التي تعتمد المعونة الغذائية كل ما يلزمها لتنخرط في منظومة الإنتاج الزراعي بات ضرورة ملحة باعتبار أنّه أحد ركائز انقاذ نظام الغذاء العالمي من الانهيار.
كيف تجاوز العالم خطر وقف إمدادات الغذاء بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية؟
كانت أوكرانيا، أحد أهم مصدري المواد الغذائية في العالم، وكانت تساهم وحدها في إطعام ما لا يقل عن 400 مليون شخص كل عام. وبالتالي فإن تدمير بنيتها التحتية الزراعية أدى إلى تعطل تدفق الغذاء والأسمدة وتفاقم إنعدام الأمن الغذائي خاصة لدى الدول التي تعتمد توريد حاجياتها الغذائية، ما جعل المحللين يخشون تفاقم عدد الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم إلى 500 مليون بعد أن كان يبلغ تقريبا الـ 193 مليونا.
حاول العالم طوال سنة 2022، أن يعطي أزمة الغذاء الأولوية، عن طريق زيادة التمويل والدبلوماسية رفيعة المستوى، حتّى أنّ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تلقى دعما كبيرا من الحكومات والقطاع الخاص، وحصد بدوره برنامج الأغذية العالمي – الممول بالكامل من التبرعات – أكثر من 14 مليار دولار، أي بما يقارب ضعف ما تحصل عليه في العام السابق، مما خوّل له منح الغذاء إلى ما لايقل عن 158 مليون شخص.
بالتزامن مع ذلك أيضا، نشأ التحالف العالمي للأمن الغذائي الذي يضم البنك الدولي ومجموعة الدول السبع، بقيادة ألمانية، والذي أمّن 14 مليار دولار إضافية لمحاربة الجوع وسوء التغذية بالإضافة إلى السعي إلى ضمان عدم تأثير العقوبات المسلطة على روسيا على امدادات الأسمدة باعتبارها المصدّر الأساسي لها.
دول السبع ساهمت أيضا في إنهاء حظر تصدير الحبوب الأوكرانية الذي فرضته روسيا، بعد أن أنشأت مبادرة حبوب البحر الأسود، وهي صفقة تاريخية بوساطة أمريكية تركية سمحت باستئناف الصادرات الزراعية مما ساهم في استقرار نسبي للمواد الغذائية في مختلف دول العالم.
الجوع.. شبح لم يختف بعد
رغم الجهود العالمية فإن أزمة غذاء معولمة.. احتمال مازال قائما بالنظر إلى إنتاج أوكرانيا الذي من المرجح أن يتراجع وفقا لتقرير المخاطر العالمية لسنة 2023 الصادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي باعتبار أن آليات الزرع والإمكانات اللوجستية تراجعت، ناهيك عن الهجمات الروسية المتكررة على المزارع الأوكرانية التي دمّرت البنية التحتية، بالإضافة إلى إتلاف الإراضي الصالحة للزراعة نظرا للتلوث وحفر الخنادق وزرع الألغام.
يتزامن ذلك مع مخزون محدود من الغذاء يتراجع في كل سنة عمّا كان عليه في السنة السابقة نظرا إلى تباين معدّل المحاصيل وإلى عدم قدرة بعض الدول على توفير ما يكفي من الأسمدة وتعويل عدد كبير منها على المساعدات الإنسانية بدلا من العمل على زيادة الإنتاج للمساعدة في استقرار النظام الغذائي العالمي خاصة وأنّ عدد الدول المهددة بانعدام الأمن الغذائي الحاد يصل عددها إلى 45 دولة من بينها الصومال وأثيوبيا.
ما السبيل إلى إبعاد شبح المجاعات والجوع؟
أزمة الغذاء مشروع يجب الإشتغال عليه وفق خطوات مدروسة، تضعها الحكومات والمؤسسات الدولية ذات الامكانات الاقتصادية الكبيرة.. ويكون ذلك بمزيد توفير الدعم الكافي لبرنامج الأغذية العالمي واليونسيف وتوفير الأسمدة وزيادة انتاجها ورفع الحواجز التجارية التي تقيّد الحصول عليها ودعم الفلاّحين، بالإضافة إلى السعي إلى استمرار جهود المجتمع الدولي ومضاعفة التبرعات وتحسين السياسات الدولية والحكومية.
المصدر: مجلة Foreign Affairs الأمريكية