تراجعت الصين عن سياسة الطفل الواحد التي فرضتها بين عامي 1980 و2005، وبدأت سنة 2021 بالسماح للأزواج بإنجاب 3 أطفال، وقدمت جملة من الحوافز بعد أن كانت تفرض عقوبات صارمة على من يخرق سياستها بالإضافة إلى فرض تكاليف كبيرة على قطاع التعليم، ما جعل فكرة الانجاب تبدو كابوسا.
حاولت الصين أن تتدارك، بعدما بدأ تعدادها السكاني في التراجع وبدأ مجتمعها يسير نحو التهرّم.. لكنّها لم تنجح في عكس مسار التهرم الديمغرافي.
ولعلّ أبرز أسباب ذلك هو تجذّر فكرة العائلة النواة لدى الصينيين وكثرة عدد الذكور على حساب الإناث بما أنّ جل العائلات كانت تحبّذ إنجاب الذكور ما يضطرها إلى إجهاض المولود الأوّل إذا كان أنثى أو التخلي عنه للتمكن من إنجاب مولود آخر ذكر، بالإضافة إلى رغبة الفتيات في انهاء دراستهن وتأجيل الزواج.
ورغم ثقلها الديمغرافي في العالم، فإنّ تغيّر عدد سكان الصين له انعكاساته، ليس على البلد الذي عُرف لقرون على أنه الأكثر تعدادا فحسب، وإنما على العالم برمته.
ولعلّ أوّل عامل يمكن أن تشهده كلّ أسواق العالم، هو ارتفاع أسعار السلع الصينية التي اعتاد الجميع شراءها بأسعار بخسة، وربما عدم توفرها بوتيرتها المعهودة، فالعمالة تتقلص ونسب التمدرس والخدمات التعليمية تتحسّن.
ليست السلع البخسة فقط عرضة للتأثر، وإنّما الشركات العابرة للقارات والعلامات التجارية العالمية التي تقيم مصانعها على أراض صينية بغاية تقليص تكاليف الانتاج والاستفادة من اليد العاملة المتوفرة والرخيصة، وبالتالي فإنّ هذا سيجرها إمّا لرفع أسعار سلعها وبالتالي التقليص من قدرتها التنافسية في جلّ الأسواق أو سيجرها إلى نقل مصانعها إلى بلدان أخرى تجد فيها عمالة أرخص كالفييتنام والمكسيك مما يؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة في الصين.
وسواء ارتفعت نسب البطالة فيها أو تقلص عدد سكّانها، فإنّ السوق الاستهلاكية التي كانت توفرها الصين للمستثمرين، تتراجع شيئا فشيئا، ما يؤدي بدوره إلى تراجع في الانتاج أو تكدّس للسلع وكل ما ينجرّ عنه من خسائر.
يعتمد الاقتصاد الصيني أيضا على قطاع العقارات بما أنّه المسؤول عن حوالي ربع الناتج الاقتصادي للبلاد نظرا للضغط الديمغرافي، ما يعني أن تراجع الطلب عليه يؤدي بالضرورة إلى مشاكل اقتصادية إضافة إلى أزمة لدى المؤجرين.
تراجع العمالة الصينية يعكس بالضرورة تراجع نسبة الشباب على حساب الشيوخ وهو ما يؤدي إلى ضغط كبير على صندوق التقاعد الرئيسي للبلاد، فالصينيون يتقاعدون في سن الـ 60 وهو يعدّ من بين أقل أعمار التقاعد في العالم، ما جعل الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية تتنبأ سنة 2019 بإفلاس الصندوق بحلول سنة 2035.
صندوق التقاعد الرئيسي ليس المتضرر الوحيد، وإنما نظام التأمين الصحي أيضا، بما أنّ الحاجة إلى الأطباء والمستشفيات في تزايد..
نسيج الصين الاجتماعي أيضا يفترض أن يشهد تغيرات كبيرة مع ازدهار الهجرة الداخلية من الأرياف نحو المدن الصناعية بالإضافة إلى تغير السلوك الاستهلاكي.
وإجمالا فإنّ تهرّم السكان قد يقضي كذلك على طموح الصين في أن تصبح القوة الإقتصادية الأولى في العالم عكس ما كان متوقعا لها منذ سنوات وسيجعلها تتراجع أيضا على صدارة الدول من حيث عدد السكان لصالح الهند التي تسارع الزمن لتتمركز بين كبار الدول.