×
×

معضلة فقدان مادة القهوة: أصحاب المقاهي بين مطرقة غلائها وسندان غيابها


© Son FM
صبرين بن محمود
صبرين بن محمود
نشر في 2023/06/21 13:40
TT
11

القهوة، ’’الشادلية’’ أو ’’خمر الصالحين’’ وتسميات عربية عديدة تطلق على المنتوج الذي أضحى تقليدا من التقاليد الغذائية للعائلات التونسية، وعادة، لا تخلو لقاءات الأصدقاء والعائلة والزملاء من أكواب القهوة بجميع أنواعها وأصنافها ومذاقاتها. ولم ترتبط هذه العادة فقط بالفترة الصباحية وإنما تجدها حاضرة وبقوة على امتداد اليوم، فطقوس التونسيين في شرب القهوة ليست متعلقة فقط بوجبة الفطور والاستيقاظ الصباحي وإنما يتوسط فنجان القهوة طاولة كل التجمعات واللقاءات باختلافاتها.

منذ فترة ليست بالقصيرة، تعرف السوق التونسية نقصا فادحا في التزوّد بمادة البنّ، وهو ما أثار سخط عدد من أصحاب المقاهي وصالونات الشاي، الذين تحدثوا في حوارات مع Son fm وعبروا بمرارة عمّا يمرّون به من صعوبات منذ انقطاع مادة القهوة عن السوق التونسية، القطاع الذي يوفر نحو 120 ألف موطن شغل.

مدام منيرة، صاحبة صالون شاي بأحد أركان شارع مرسيليا، تحدثت عما تمر به منذ بدء الأزمة والصعوبات التي تعرضت لها حتى يتسنى لها اقتناء كمية قليلة من القهوة للتمكن من مزاولة عملها بطريقة طبيعية. تقول محدثتنا ’’أتجه كل صباح إلى أحد محلات بيع القهوة الكائن بأحد أحياء العاصمة الذي يبيع "البن" بالمحاباة وبجودة سيئة جدا، تفطنت في بعض الحالات إلى أن البن ممزوج بمكونات غير صحية تسنى لي التثبت منها في فضلات آلة القهوة، كما أجد أحيانا ماء متعفنا بعد صناعة كوب القهوة’’.

مدام منيرة أكدت أن عملية شراء القهوة تكون عن طريق الاستظهار بالباتيندا والحصول على رقم، من ثم ينتظر الحريف دوره حتى يتمكن من عملية الشراء. تنتظر محدثتنا دورها في بعض الأحيان حتى أكثر من 3 أسابيع وتتحول على عين المكان للاستفسار عن أسباب التأخر، فإذا بها تلاحظ عمليات بيع بكميات كبيرة توزع من أبواب خلفية غير رئيسية، وهي التي تريد شراء 2 كيلوغرامات من القهوة فقط.

من جانبه، يقول سي كمال، صاحب كافتيريا بشارع باريس، ’’أشتري كميات القهوة بالابتزاز وبأسعار مرتفعة جدا’’، ’’أتحمل نفقات تفوق طاقتي وأتعرض للانتقادات بشدة من قبل الحرفاء نظرا للمذاق السيء للقهوة، فأنا مضطر لاقتناء أي نوع من البن حتى أتمكن من تقديم الخدمات اليومية’’... ’’المزود لي يجيبلك القهوة ما تفرحش بيه بحويجة معاش يرجعلك.. تمشيلو عشرة ولا عشرين ألف يعاود يجيبلك ماكانش هاذيكا تكون آخر مرة.’’

ووفقا لشهادات أصحاب المقاهي، فإن معظمهم استغنى اضطراريا عن عدة خدمات وجودها ضروري في المقهى، كعاملات النظافة، والنادل خوفا من تكبد المزيد من الخسائر التي يمكن أن تتسبب في إفلاس المحل..

يقول محمد، صاحب مقهى في شارع فلسطين، أنه يشتري القهوة ممّن أسماهم بالدوارجية أو موزعي القهوة بأسعار باهظة جدا وهو ما يعتبره بالحل الوحيد لمجابهة مصاريف المحل واستمرار خدماته.

من جهته، حمّل مصدر من النقابة الوطنية  لأصحاب المقاهي، رفض الإفصاح عن اسمه، ديوان التجارة ما آلت إليه كل الأوضاع في ما يتعلق بوضعية المقاهي وأصحابها. وفيما يخص جودة القهوة، أكّد محدثنا أن ديوان التجارة يقوم باقتناء أسوأ أنواع القهوة من مصدريها وهي’’la camelote’’ أو ما أسماها بـ"السقاطة"، مشيرا إلى أن كبار محمصي القهوة لا يتحملون مسؤولية جودة القهوة المستعملة، وإنما يتحملها الديوان الذي كان ملتزما بتوريد الشحنات (40 % قهوة عربية و60% قهوة روبوستا).

وشدد مصدرنا على ضرورة فهم أسباب شراء هذه النوعية من القهوة عن غيرها وكم كلّفت ديوان التجارة.

وفي ظل الأزمة الراهنة، اعتبر محدثنا أن الحل الأنسب هو التحرير الكلي والفوري للقطاع الذي يعد تنافسيا بامتياز وتحديد هامش الأرباح وضبط تسعيرة محددة، مؤكدا رفض الديوان القيام بهذه الخطوة لأنها لا تعد من مصلحته المادية والربحية، مشيرا إلى أن أحد أكبر محمصي القهوة في تونس اقتنى أرضا في الكونغو الديمقراطية وزرع نبتة القهوة ولكنه لم يتحصل إلا على ترخيص لنوع محدد من القهوة وبكميات محدودة، وفق تعبيره.

والديوان التونسي للتجارة، المحدث بمقتضى المرسوم عدد 6 لسنة 1962، هو الجهة الوحيدة التي يخوّل لها تزويد مادة القهوة باعتبار الامتياز الحصري «   Monopole » الذي يتمتع به في هذا المجال في تونس.

وتحدث مصدرنا عمّا يحدث في ميناء رادس من مشاكل تسببت بصفة مباشرة في تعميق أزمة القهوة، فعند وصول البواخر المحمّلة بالمواد المستوردة على غرار القهوة، تقوم الشركة التونسية للشحن والترصيف بتأخير عملية التنزيل بسبب عدم توفر منطقة إرساء مخصصة للباخرة وهو ما يكلف الدولة أموالا ضخمة تقوم بتغطيتها الشركة التونسية للشحن والترصيف، بالإضافة إلى تأخر ديوان التجارة في خلاص هذه البواخر في بعض الأحيان.

ويذكر أننا تواصلنا أكثر من مرة مع الديوان التونسي للتجارة في محاولة منا للحصول على إجابات على تساؤلاتنا، لكن لم نتلق أي إجابة.

ووفق معطيات لمنظمة آلارت - ALERT، تنشط 250 مؤسسة في مجال تحميص القهوة تستحوذ مؤسسة بن يدر التي تمتلك كل من بن يدر وبوندان  على 50 % من المبيعات في السوق، و تتوزع البقية على منافسي المجموعة، وهو ما يجعل القطاع ريعيا واحتكاريا بامتياز.

وحسب منظمة آلارت فإن مؤسسة بن يدر تتمتع بعضوية داخل مجلس إدارة الديوان الوطني للتجارة.

وتقوم الدولة التونسية سنويا بتوريد ما يناهز الـ 30 ألف طن من القهوة.

ووفق المنظمة الدولية للقهوة، يبلغ الإنتاج العالمي للقهوة ما يفوق الـ 10 مليون طن، تستحوذ عشرة بلدان أهمهم البرازيل والفيتنام على حوالي 90 % من هذا الإنتاج.

والجدير بالذكر فيما يتعلق بفقدان مادة القهوة، هو الظروف المناخية القاسية الناجمة عن اقتراب ظاهرة "النينو" التي تثير المخاوف من تضرر حبوب "الروبوستا" في أكبر البلدان المنتجة لـ "البن" مثل فيتنام وإندونيسيا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

ووفق ما أفادنا به الخبير في الشأن المناخي، حمدي حشاد، فإن ظاهرة النينو المناخية تتسبب بجلب طقس شديد الحرارة والجفاف إلى مناطق زراعة الروبوستا الرئيسية بما في ذلك الفيتنام وإندونيسيا مما يهدد الإمدادات، ومن المتوقع أن ينخفض المحصول في البرازيل ثاني أكبر المنتجين بنسبة 5 بالمئة، وأن ينخفض إنتاج إندونيسيا بنسبة 20 بالمائة بسبب الظروف الجوية السيئة.

وتحدث الخبير في الشأن المناخي عن إمكانية تصنيع كيميائي غذائي يقترب من "نكهة قهوة" يباع على أساس أنه قهوة يهدف الى المحافظة على نسق الإنتاج الصناعي.

واعتبر حشاد أن في تونس هناك بدائل أخرى بيولوجية وطبيعية كقهوة التمر التي تمكنت تدريجيا من إيجاد مكان لها في السوق كإنتاج محلي وهناك دول أخرى بصدد الترويج لبدائل قهوة أخرى.


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld