×
×

مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد: وعودهم معنا.. قراراتهم علينا!


©google
آمنة السلطاني
آمنة السلطاني
نشر في 2023/04/14 10:12
TT
11

تواجه كل دولة أزمات مختلفة، تتفاقم يوما بعد يوم، رغم تباين مستوى تأثرها وتباين طبيعة مشاكلها.. لكن ليس بحوزة كلّ هذه البلدان السبل والوسائل ذاتها لتجاوز كلّ التحديات والمشاكل أو على الأقل مواجهتها..

تتجه كلّ دولة إلى أسلحة تحميها.. دون التفكير في مخلّفات ذلك بالنسبة للدول الأخرى، طالما أنّه حلّ يمكنها من التعايش أطول مدّة في ظل مستقبل بشري يبدو مجهولا وعلى المحك.

ترفع الدول الغنية أسعار الفائدة لمواجهة التضخم وتغرق الدول الفقيرة في الديون ويتراجع معدّل نموها فتغيب التنمية لنواجه أزمة معولمة دون أسلحة متكافئة بين عالمين يتعايشان في عالم واحد.

تتشدّق هذه الدول منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية بإعادة إعمار البلدان المتضررة، وبإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.. ووضعت لذلك آليات ومؤسسات من بينها مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد وغيرها..

لكنّ هذه المؤسسات لم تبذل مجهودا كافيا للحدّ من الهوّة الشاسعة بين بلدان العالمين، ولم تسع بشكل كاف لخلق عالم واحد قوامه المساواة.. فأضحت أمام أزمات عالمية ومتسارعة تعجز عن حلّها بشكل جذري، فأخلّت بالتزاماتها ولم تتمكن من صياغة آليات مناسبة للدعم.. ولم نحصل بدورنا على عالم أكثر رخاء واستقرارا للجميع.

ومن جديد تنطلق، في كلّ فترة، اجتماعات جديدة تطرح على طاولة النقاش التطورات الاقتصاديّة العالميّة فيعلّق قادة الدول آمالهم مجددا على قرارات علّها تصبّ في صالح بلدانهم.. رغم أنّ خارطة الاجتماعات لا تدفع في الغالب على التفاؤل.

يقدّم صندوق النقد الدولي نفسه في هيئة المنقذ، للدول التي تعاني من المديونية أو عجز في الميزانية أو التي تمرّ بأزمات اقتصادية، فيلجأ له قادة الدول دون الاقتداء بتجارب نضرائهم الذين عجزو عن سداد ديونهم ناهيك عمّا خلّفته قروضهم من آثار يدفع ثمنها المواطنون يوميا كالتضخم والترفيع في الضرائب والتقليص من عدد الموظفين في القطاع العمومي، ورفع الدعم عن السلع والخدمات وغيرها... فيصبح الصندوق بذلك أداة مدمرة للطبقات الوسطى والفقيرة، بل أداة لتحويل غالبية الشعب إلى فقراء وتحويل الصفوة الغنيّة إلى صفوة أكثر ثراء.

فالتاريخ يشهد على أنّ جلّ الدول التي توجهت إلى صندوق النقد لم تصبح في حال أفضل مما كانت عليه قبل التداين، هذا إن لم تصبح في حال أكثر حرجا.

والتاريخ يشهد أيضا على أنّ نسب الفقر والجوع في تزايد، ولنا في مجاعة مالاوي سنة 2002 خير مثال على ذلك حيث انصاعت لقرارات الصندوق ورفعت الدعم على الأسمدة، فلم يستطع الفلاّحون الزراعة، وبقيت الأرض بورا فتضور الشعب جوعا..

لطالما سمعنا أنّ هذه المؤسسات الدولية مستقلة نظريا، لكنّها تقوم على أراض أمريكيّة، وتدار بعملة أمريكيّة، أدت سنة 1971 إلى تعويم كل عملات العالم وجعلت قيمتها تتحدد بناء على مبدأ العرض والطلب بعد أن قررت وقف ربط دولارها بالذهب.

تستأثر الولايات المتحدة الأمريكية أيضا بنصيب الأسد في مساهمات صندوق النقد الدولي بمعدّل 17%، وبالتالي يحق لها رفع الفيتو أمام أي قرض لا ترغب به، فيصبح سر الحصول على الدين، طلب رضا أمريكا وودها، وإن نجحت الدول في ذلك تعطيهم أمريكا خلطة سحرية لا تراعي ظروف كلّ بلد على حده.. خلطة تقوم على تعزيز شركاتها الكبرى التي لا تتردد في غزو الأسواق فتدمّر المشاريع المتوسطة والصغرى ناهيك عن إرساء كل شروطها المجحفة.

حلقة مفرغة، تكاد تجزم بصعوبة الخروج منها، مما يدعم التداين أكثر فأكثر خاصة في ظل تراجع المجالات الحيوية التي تعتمد عليها البلدان النامية التي تلجأ للاقتراض، كالمجال الفلاحي الذي يخضع لأزمة تغيّر المناخ والجفاف، فيضاعف الطقس القاسي وطأة الديون ويصبح المجال الذي تم الرهان عليه للتغلب على الأزمة يرزخ بدوره تحت حتمية التعويض والتداين لتجاوز الخسائر.. وهو ما يفسّر تضاعف حجم الديون الخاصة والعامّة بثلاث مرّات على مدار العقد الماضي.

لذا فإنّ التفكير في تغيير آليات عمل صندوق النقد والبنك العالمي ضرورة ملحة.. والتعامل مع مختلف الدول بالجديّة ذاتها أمر أشد إلحاحا فالتفاعل الذي لاقته أوكرانيا واليونان لتجاوز أزماتها لم تلقه دولة أخرى في إفريقيا مثلا.. علاوة على أنّ الإملاءات التي تمكن دولة من تسديد ديونها قد لا تماشى بالضرورة مع دولة أخرى.

كما أنّ كل الجهود العالميّة بمختلف مؤسساتها ومنظماتها بما فيها ذات الأهداف الخيرية، يجب أن تتضافر من أجل الخروج بالبشرية من الفقر والجوع والعجز والوهن بشكل فعلي..

فمصيرنا مصير واحد.. وتضرر أيّ طرف على هذه الكرة الأرضية يمكن أن يؤدي إلى هلاك الجميع.. ولنا في تداعيات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الأوكرانية الروسيّة على العالم خير مثال..

وعلى الدول المقترضة أن تتساءل أيضا.. هل كانت فعلا بحاجة إلى كلّ تلك القروض للخروج من أزماتها أو ضمان إعادة إعمارها؟ ألم تكن هناك سبل أخرى؟

إن لم يكن كذلك.. فكيف تمكنت ماليزيا والصين وكوريا الجنوبية وغيرها من تحقيق قفزة اقتصادية دون الحاجة إلى قوالب صناديق أمريكا الجاهزة...؟!


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld