في أحد مقاهي شارع الحرية بالعاصمة يربض عزيز (23 سنة) رفقة أصدقائه يوميا يجدون في هذا المقهى الأمن والأمان وخاصة فسحة من الحرية حتى وإن كانت قصيرة الأمد.
في طقوسهم اليومية دخول حمام المقهى فُرض لاسترجاع أنفسهم وهوياتهم المخفية فيرتدون قمصانهم الداخلية وتنانيرهم ويضعون مساحيق التجميل والإكسسوارات التي ستقلع بعد ساعتين من الان.
تقول عزيز: "حفاظا على حياتنا نفضل إخفاء "ميولاتنا الجندرية" بالحديث والسير وارتداء ملابس رجالية لا تعكس ميولاتنا وإلا تحولنا إلى أداة تسلية لرجال الشرطة ." وأضافت: ذات ليلة كنت أسير رفقة أصدقائي إلى أن سمعت صوت شرطي يقول "هاو لقينا باش نعدو الليلة إجريو هام قوم لوط" ولم أجد نفسي سوى داخل سيارة أتلقى كدمات من هنا وهناك وأصوات صراخ أصدقائي تمتزج بقهقهة رجال الشرطة ". صمتت قليلا ثم قالت:" لم تكن لي الجرأة أن أقدّم شكوى لأنني أعرف مآلها مسبقا".
عزيز عابر جنسي (تحول من ذكر إلى أنثى) انقطع عن الدراسة في سن 14 ربيعا بسبب تنامي خطابات الكراهية ضده والدعوة إلى قتله داخل المعهد كما تعذر عليه الحصول على وظيفة بسبب "ملامحه الأنثوية" ليقرر "امتهان الجنس" عبر مواقع التواصل الإجتماعي لمجابهة تكاليف المعيشة.
على ذات الطاولة تجلس ليليا (28 سنة عابرة جنسيا) تشعل سيجارتها بكل سخرية وتقول:" حتى صاحب هذا المقهى يستغلنا لقد رفع الأسعار مرتين خلال شهر ومن المتوقع أن يضاعف مرة أخرى لأنه يعلم جيدا أن لا مقهى آخر يمكن أن يستقبلنا."
تعيش ليليا اضطرابات نفسية ونوبات من الهلع بعد أن اقتحمت الشرطة منزلها العام الماضي واقتادتها رفقة أصدقائها إلى مركز الشرطة أين أصبحوا أضحوكة ما بعد منتصف الليل وأجبروا على القيام بفحص شرجي لإثبات المساحقة وفق الفصل عدد 230 من القانون الجزائي الذي تصفه ليليا بالفحص "الصهيوني أين أعدمت كرامتها" ورغم أن الفحص لم يثبت شيئا إلا أن جروح روحها انطبعت على ملامحها.
*موجودون لكن محرومون
تصف الممثلة عن جمعية "موجودين" لينا العش وضعية مجتمع الميم في تونس بـ "الكارثية" وتؤكد حرمانهم من أبسط حقوقهم الطبيعية في السكن والعمل وتلقي الخدمات الإدارية والصحية وتقول : "لقد تم منع عدد كبير منهم من دخول المستشفيات الحكومية رغم حالاتهم الحرجة كما منع عدد آخر من استخراج وثائقهم الإدارية ما يفسر وجود أشخاص دون بطاقات هوية وطنية".
هذا وتقدم جمعية "موجودين" الرعاية الصحية والنفسية والاحاطة القانونية والمالية لحوالي 1200 شخص من مجتمع "الميم عين" رقم لا يستخف به.
*230/226 تشريع للانتهاك
تطالب جمعيات ومنظمات حقوقية كويرية في تونس بسحب الفصل عدد 230 من القانون الجزائي والذي ينص على تجريم المثلية الجنسية (العلاقات اللامعيارية) ويشرع انتهاكات حقوق الإنسان. من جانبها أكدت الممثلة عن جمعية "موجودين" لينا العش أن هذا القانون يتعارض مع الدستور والاتفاقيات الدولية حيث لا يمكن الحديث عن جريمة في غياب الركن المادي.
وينص الفصل 230 على أن مرتكب اللواط أو المساحقة يعاقب بالسجن لمدة 3 سنوات دون التحديد القانوني لمصطلح اللواط والمساحقة غالبا ما يلجأ القضاء إلى الفحص الشرجي لإثبات الفعل وهي وسيلة ممنوعة وفق المعاهدات الدولية.
ووفق جمعية موجودين تم إلى حدود سنة 2021 إيقاف حوالي 206 أشخاص من مجتمع "الميم عين" على معنى الفصل 230.
هذا ويحاكم "مجتمع الميم عين" في تونس وفق الفصلين 226 و226 المكرر من المجلة الجزائية وينص على أنه يعاقب كل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة والذي يعتبره نشطاء متعارضا مع مبدأ الأمن القانوني بتعدد تأويلاته في حين أن القانون الجزائي لا يحتمل التأويل من جهتها أكدت الممثلة عن جمعية "موجودين" أن المحاكمات على معنى هذا القانون تكون وفق أهواء القضاة بين متشدد ومتسامح لتتراوح الأحكام بين 6 أشهر لصاحب الحظ الوفير و 3 سنوات لصاحب الحظ السيئ."
*استشراف برغم من الواقع
تقول الباحثة في علم الاجتماع نسرين بنقاسم:" إن المجتمع التونسي يشرع العنف ضد كل ما يخالف مؤسسة الزواج التقليدية من العلاقات الجنسية خارج إطارها وصولا إلى الأقليات الجندرية كما أن المجتمع التونسي يعد مجتمعا محافظا يغلب الوازع الديني عن الحقوق والحريات إن تخطت المعايير التي يضعها لذلك ينظر إلى "مجتمع الميم عين" على أنه اختراق لنسيج المجتمع وغرس لمفاهيم غربية مغلوطة تتنافى مع الفطرة الإنسانية.
في المقابل يؤكد عزيز وليليا أنهما لم يختارا يوما "ميولاتهما الجندرية" بل هي من اختارتهم ويتساءلون كيف يمكن أن نختارها وهي من تشقينا. يطمح عزيز إلى أن تسير دون خوف في شارع الحرية وهي ترتدي فستانا ورديا في حين تطمح ليليا إلى نسيان الماضي ومعانقة حبيبتها دون خوف لا من المجتمع ولا من الشرطة.**