جمعية قانونية واتفاقيات رسمية
تعود بداية نشاط شريفة الرياحي إلى انخراطها منذ سنوات في جمعية تونسية تحمل اسم "أرض اللجوء"، وهي فرع لجمعية فرنسية تُعنى بمشاكل الهجرة والمهاجرين، وقد تأسست منذ سنة 2012 وتربطها اتفاقات رسمية مع الدولة التونسية. الجمعية كانت تشتغل بشفافية ووفق الأطر القانونية، بل وأبرمت اتفاقيات تعاون مع عدد من البلديات، من بينها بلدية سوسة.
ووفق ما صرّحت به الأستاذة حياة الجزار على موجات إذاعة Son FM ، فإن شريفة قد توقفت عن العمل مع الجمعية منذ سنتين، غير أنها فوجئت في ماي 2024 باستدعائها للبحث في قضية جزائية، ثم تم إيقافها رفقة خمسة من زملائها، من بينهم رئيسة بلدية وكاتبة عامة سبق لهما إبرام اتفاقية شراكة مع الجمعية المذكورة.
تهم خطيرة وملف متحول
المجموعة وُجهت لها تهم خطيرة بموجب قانون الإرهاب لسنة 2015، منها تبييض الأموال، واختلاس المال العام، وإيواء أجانب دون رخصة، وهي تهم صنّفت كجرائم جنائية. رغم أن الجمعية نفسها كانت تشتغل وفق اتفاقات رسمية مع الدولة، فإن الإيقافات تمّت دون اعتبار لهذا السياق القانوني، وهو ما فتح الباب للتأويلات حول خلفيات القضية.
بعد تسعة أشهر من البحث الفني الشامل في ملفات الجمعية، أثبتت نتائج الاختبارات القضائية براءة شريفة ومن معها، ما دفع قاضي التحقيق لإحالة المجموعة فقط من أجل جنحة "إيواء أجنبي دون إعلام السلط"، وهو ما اعتُبر تراجعا عن التهم الأصلية الثقيلة.
لكن النيابة العمومية لم تكتفِ بذلك، واستأنفت القرار، لتقوم دائرة الاتهام بإضافة تهمة "الاشتراك في الفصل 96" من المجلة الجزائية، الذي يتعلق باستغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة. وقد تم تقديم مطالب إفراج عن المجموعة، لكن لم يقع الإفراج عن أي من الموقوفين.
انتظار قرار محكمة التعقيب
قام فريق الدفاع بالطعن في قرار دائرة الاتهام بإضافة الفصل 96، ويترقّب الجميع اليوم قرار محكمة التعقيب، الذي سيحسم في ما إذا سيتم إحالة الملف على القضاء الجنائي أو حفظ القضية نهائيا، وهو ما سيكون مفصليا في مصير الموقوفين، وفي مقدمتهم شريفة الرياحي.
طفولة معذبة وحقوق ممنوعة
من المؤلم في هذه القضية أن شريفة تم إيقافها بعد شهر فقط من ولادتها لابنتها. ومنذ ذلك الحين، وهي تعيش فصلا قاسيًا عن أطفالها. الأستاذة الجزار أكدت أن الطفل البكر يعاني من صدمة نفسية كبيرة جراء غياب والدته وسجنها.
وبعد إسقاط التهمة الأهم المتعلقة بتبييض الأموال، سُمح لشريفة برؤية أطفالها كل 15 يوما، لكن طلبات الزيارة المباشرة والدائمة قوبلت بالرفض. وعلى الرغم من أن المحكمة أذنت رسميًا بالزيارات المستمرة، إلا أن إدارة السجن رفضت تنفيذ الحكم بذريعة أسباب غير مقنعة حسب تعبير الدفاع.
هيئة السجون بدورها صرحت أن القرار النهائي في هذه المسألة يعود إلى الوكيل العام الذي عليه أن يصدر بطاقات الزيارة، ما يُبقي الوضع في حالة تجميد قانوني وإنساني.
أسباب سياسية وسجناء بلا أسباب
تشير تصريحات الأستاذة الجزار إلى أن القضية تحمل أبعادًا سياسية واضحة، خاصة وأن الجمعية الأم في فرنسا لم تُلاحَق، وتم حفظ القضية في حقها، بينما تُسجن الموظفات والناشطات في تونس في ظروف صعبة ولأسباب واهية.
وتختم الجزار بالتأكيد على أن الوضع القانوني لشريفة ومن معها لا يبرر استمرار إيقافهم، مطالبة بـتحكيم القانون فوق الحسابات السياسية، وبتسوية عاجلة تأخذ بعين الاعتبار البُعد الإنساني والاجتماعي للملف.