×
×

منظمة 'أنا يقظ' تقاضي هيئة الانتخابات: تحدي الشرعية ومطالبة بتوقيف قرار فتح باب الترشح


صورة لفاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات © attessia
ماجدة العمدوني
ماجدة العمدوني
نشر في 2023/09/14 15:35
TT
11

في عالم يعتمد بشكل كبير على مفهوم الديمقراطية وتحقيق الشرعية في العمليات الانتخابية، تظل الهيئات الانتخابية لعبة حاسمة في ضمان استقرار ونجاح النظم السياسية، حيث إنها تمثل الجسر الأساسي بين السلطة الشعبية وممارسي السلطة، ومن ثم يعتبر تشكيلها وعملها بشكل شفاف وشرعي أمرا بالغ الأهمية.

في سياق هذا الحديث، تأخذ منظمة "أنا يقظ" موقفا في محاولة للحفاظ على هذه القيم والمبادئ الديمقراطية في تونس، حيث أقدمت المنظمة في 13 سبتمبر 2023، على خطوة تتمثل في تقديم دعوى قضائية ضد هيئة الانتخابات، تعبيرا عن استنكارها لقرار الهيئة بفتح باب الترشح لعضوية الهيئات الفرعية دون اكتمال النصاب لانعقاد مجلسها، حسب بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية فايسبوك.

لكن ما الذي جعل هذه الدعوى ذات أهمية لدى منظمة "أنا يقظ"؟ من خلال التساؤل هل هي مجرد خلاف قانوني عادي أم أنها تلمس جوهر مشكلة أكبر تتعلق بشرعية الهيئات الانتخابية؟

لفهم ذلك، يتعين علينا النظر في سياق تطور هذه القضية والأحداث التي أدت إلى تقديم هذه الدعوى ورد الهيئة الانتخابية على دعوى "أنا يقظ" ضدها.

وفق "أنا يقظ"، تمت مراجعة آخر مجلس لهيئة الانتخابات في 04 جويلية 2023، حيث تمت مناقشة مقترح إعفاء أحد أعضاء الهيئة ومنذ ذلك الحين، شهد المجلس سلسلة من الاستقالات والإعفاءات، على غرار الحبيب الربعي وسامي بن سلامة وماهر الجديدي مما أدى إلى انخفاض عدد أعضائه إلى أقل من النصاب القانوني المطلوب لعقد اجتماعاته وهذا النقص في النصاب القانوني أصبح جزء من الجدل القانوني حول شرعية قرار هيئة الانتخابات بفتح باب الترشح أو غيره من القرارات.

في خضم ذلك تتناول SonFM، أبعاد القضية وتستكشف تأثير هذه الدعوى على مستقبل العمليات الانتخابية وشرعية الهيئات الانتخابية في تونس، وكيف يمكن لهذا التحدي أن يؤثر على الديمقراطية في البلاد.

إلى جانب ذلك، تسلط SonFM الضوء، على تأثير الشغورات وشلل مؤسسات الدولة بسبب هذا النقص في مناصب عليا بالدولة.

في أعقاب الثورة التونسية عام 2011، تأسست الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كجزء من جهود البلاد الرامية إلى تحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي.

وتأسست الهيئة في 18 أفريل 2011، وكان لها دور محوري في تنظيم الانتخابات وتأمينها في تونس، إلا أن مسار هذه الهيئة يعكس تجربة متقلبة مليئة بالتحديات والمواجهات.

في بداية تأسيس الهيئة، تم تأجيل انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي من 24 جويلية 2011 إلى 16 أكتوبر 2011، وهو القرار الذي أثار جدلا كبيرا في المشهد السياسي، وفي سياق ذلك اتهمت حركة النهضة آنذاك جهات مجهولة بالتآمر لمنع الانتخابات وعرقلة العملية الديمقراطية.

وفي عام 2014، تم انتخاب شفيق صرصار رئيسا للهيئة للإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومع ذلك، تعرضت الهيئة لانتقادات شديدة من أحزاب سياسية بسبب اتهامات بعدم الاستقلالية والتواصل مع جهات أجنبية.

وفي ماي 2017، استقال صرصار وأعضاء من الهيئة بسبب خلافات داخلية، مما أدى إلى تولي محمد التليلي المنصري منصب رئيس الهيئة ثم انتخب نبيل بفون رئيسا جديدا للهيئة في 2018.

أدار بفون الانتخابات التي أفضت إلى فوز الرئيس قيس سعيد في 2019، ولكن تمت إقالته في 2022، بتهمة عدم الحياد والاستقلالية وتم تعيين القاضي فاروق بوعسكر في منصب رئيس الهيئة، وقاد استفتاء لتغيير دستور عام 2014.

ومن ثمة تعرضت الهيئة لانتقادات حادة أخرى بسبب اتهامات بتزوير نسب المشاركة في الاستفتاء، وذلك بعد تغييرها للنتائج الأولية على صفحتها الرسمية فايسبوك بشكل غير مفهوم. هذا الوضع أثار استياء وجدلا واسعين.

يمكن القول إن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس مرت بمحن وتحديات عديدة منذ تأسيسها في 2011.

وعلى الرغم من دورها الحاسم في تنظيم الانتخابات وتأمينها، فإنها تواجه انتقادات مستمرة فيما يتعلق بالاستقلالية والشفافية، وهذا يعكس الطبيعة المعقدة للعملية الديمقراطية في تونس بعد الثورة.

واليوم تعود منظمة "أنا يقظ" لفتح باب الجدل مجددا أمام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من خلال تقدمها بدعوى قضائية تحت عنوان "تجاوز السلطة ومطلب توقيف تنفيذ ضد قرار هيئة الانتخابات المتعلق بفتح باب الترشح لعضوية الهيئات الفرعية الصادر بتاريخ 11 سبتمبر 2023 وذلك لعدم شرعيته".

في هذا الإطار، أكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري، أن هذه الدعاوى غير مستندة من الناحية الشكلية، نظرا لعدم وجود أي قرار رسمي صدر عن مجلس الهيئة يمكن الاستئناف ضده.

وأوضح أن كل ما أصدرته الهيئة حتى الآن هي بلاغات تتعلق بالاستعدادات الإعدادية للعملية الانتخابية، وهو ما يعكس تركيز الهيئة على توفير الوقت لإجراءات أخرى.

وأشار المنصري إلى أن المصادقة على الرزنامة الانتخابية تتطلب تحقيق ثلاثة شروط أساسية، وهي سد الشغور في عضوية الهيئة وإصدار أمر دعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات المحلية، وإصدار أمر تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة.

وهذا يأتي بعدما أصدرت وزارة الداخلية القرارات الإدارية المتعلقة بالتحديد الترابي للعمارات ونشرتها في الرائد الرسمي.

وفيما يتعلق بالجدول الزمني المتوقع، أشار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بمعسكر ، إلى أن سد الشغورات الثلاثة في مجلس الهيئة من المتوقع أن يتم نهاية هذا الأسبوع على أقصى تقدير، وذلك قبل إصدار الأمر الخاص بدعوة الناخبين والأمر المتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية. وأكد أنه يجب ألا تتجاوز هذه الإجراءات تاريخ 17 سبتمبر الجاري إذا كان موعد الانتخابات القادمة هو يوم 17 ديسمبر المقبل.

من جانبه، علق القاضي الإداري محمد العيادي على قرار فتح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باب الترشح للانتدابات الخاصة بانتخابات المجالس المحلية لسنة 2023، بأنه يمكن اعتباره من مهام الهيئة وفي إطار تصرفها اليومي في سير عملها نظرا لتأخر سد الشغورات صلب مجلس هيئة الانتخابات الخارج عن نطاقها، حسب ما صرح به لـ SonFM.

وفي رده على ما ورد على لسان الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري، قال طلال الفرشيشي عضو الهيئة التسييرية لمنظمة "أنا يقظ" ل SonFM، "أن الناطق الرسمي لهيئة الانتخابات قد قام بخلط بين القرارات الترتيبية والأفعال أو القرارات الإدارية، وقد ناقض نفسه بنفسه بقوله إن البلاغات هي بلاغات اجتماعات إدارية، إذ إن القرار المطعون فيه ولئن اتخذ له عنوان بلاغ، فإن فحواه تؤكد أنه مقرر إداري إذ هو صادر عن الإرادة المنفردة للإدارة ويؤثر في المراكز القانونية للمخاطبين به ويكون بذلك قابل للطعن بالإلغاء مثلما ينص عليه الفصل 3 من القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972".

موضحا في ذات السياق، أن التليلي قد ناقض نفسه مرة أخرى عند قوله بأنه لا يوجد أي قرار صادر عن مجلس الهيئة حتى يتم الطعن فيه وهي محاولة لمغالطة الرأي العام، فمنظمة "أنا يقظ" فعلا طعنت في القرار المتعلق بفتح باب عضوية الهيئات الفرعية باعتبار أن هذا القرار غير شرعي لعدم انعقاد مجلس الهيئة المختص حصريا بتحديد الشغورات والإجراءات المتبعة في سد الشغورات.

متابعا "أنه بهذا يكون الناطق الرسمي لهيئة الانتخابات قد أكد بنفسه عدم شرعية القرار لعدم انعقاد مجلس الهيئة منذ 4 جويلية 2023"، وفق تعبيره.

جدير بالذكر أن منظمة "أنا يقظ" أعربت مطلع هذا العام، عن قلقها العميق إزاء تزايد عدد الشغورات في مختلف الخطط والمناصب في تونس.

واعتبرت المنظمة أن هذه الشغورات تشكل تحديا كبيرا يؤثر على عمل الدولة ويسهم في تعزيز سياسة التملص من المسؤولية والفلتان من العقوبة.

وفي بيان لها نشرته بتاريخ 25 جانفي 2023، طرحت المنظمة عدة تساؤلات حول سبب عدم ملء هذه الشغورات وسياسة تكليف الشخصيات بالتسيير.

وتسألت المنظمة إذا كان السبب في ذلك يعود إلى نقص في الكفاءات أو غياب الولاءات أو تجنب التورط في نظام حكم يميل نحو التسلط والانفراد بالسلطة.

وأشارت المنظمة إلى مثال مديرة الديوان الرئاسي التي استقالت من منصبها منذ عام كامل دون أن يتم تعيين بديل لها، على الرغم من أهمية دور مدير الديوان الرئاسي في إدارة مصالح الرئيس.

ولفتت الانتباه إلى وجود شغورات أخرى في مؤسسات تابعة لرئاسة الجمهورية، مثل منصب رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والموفق الإداري.

وأكدت "أنا يقظ" أن هذا التراخي في سد الشغورات يمتد إلى مختلف مستويات الحكومة والقضاء والتمثيل الدبلوماسي في الخارج، مما يؤثر سلبا على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية لتونس مع الدول الأخرى ويؤدي إلى تهميش الجالية التونسية في هذه البلدان.

وأشارت المنظمة أيضا إلى وجود شغورات في رئاسة المؤسسات العمومية والحكومة، مما يؤثر على عمل هذه المؤسسات ويزيد من الضغط على الحكومة ورئيس الجمهورية.

في سياق متصل، يجب علينا التذكير بأن ولاية تونس في انتظار تعيين وال جديد بعد تعيين رئيس الجمهورية قيس سعيد كمال الفقي وزيرا لوزارة الداخلية في 18 مارس الحالي إلى جانب ولايات أخرى على غرار ولايتي صفاقس وبنزرت.

إضافة إلى عدم تعيين وزير على رأس وزارتي الصناعة والمناجم والطاقة والتشغيل والتكوين المهني لحدود كتابة هذا المقال.

وتبقى القضية المتعلقة بهيئة الانتخابات رهين البت فيها من قبل القاضي الإداري المتعهد بها.

المصادر: 

بيان منظمة أنا يقظ: I WATCH ORGANISATION - أنا يقظ 

تصريح الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات: هيئة الانتخابات: سد الشغور مرتقب اليوم في عضوية الهيئة - الإذاعة الوطنية (radionationale.tn) 


مقالات ذات صلة

من نحن ؟

"SON FM" هي إذاعة قرب تونسية جمعياتية جامعة وإيجابية

تابعونا

2024 © كل الحقوق محفوظة. تصميم و تطوير الموقع من قبل CreaWorld