حادثة الوفاة المأساوية للطفل البالغ من العمر 4 سنوات بلدغة عقرب في منزل عائلته بمنطقة عين البيضاء التابعة لمعتمدية حفوز من ولاية القيروان الشهر الماضي، تجذب الانتباه إلى مشكلة عميقة تعاني منها المناطق الداخلية في البلاد التونسية.
يشير هذا الحدث المؤلم إلى نقص الرعاية الصحية وغياب المؤسسات الصحية الكفؤة في هذه المناطق النائية والمهمشة.
هذا الواقع يفرض تحديات هائلة على السكان ويعرض حياتهم وصحتهم للخطر.
يتجلى نقص الرعاية الصحية في حالات متعددة، حيث تفقد النساء الحوامل حياة أجنتهم وتعاني من تداعيات صحية خطيرة نتيجة لعدم توفر الأطباء المتخصصين في التوليد بشكل خاص في هذه المناطق.
ولعل أبرز مثالا، معاناة النساء الشابات في مستشفى الكاف ونسلط الضوء على حادثة استئصال الرحم هذا العام التي أجبرت الأم على توديع الأمومة إلى الأبد، تعكس حجم المشكلة.
هذه الحوادث تعرض حياة الأمهات والأطفال للخطر وتحرمهم من الرعاية الصحية اللازمة واللائقة.
إضافة إلى ذلك، تشهد المستشفيات الحكومية في المناطق الداخلية نقصا حادا في الكفاءات الطبية والأدوات الطبية والتجهيزات.
ونذكر وفاة الطبيب بدر الدين العلوي، عام 2020، بسبب سقوط مصعد في المستشفى الجهوي بجندوبة.
تقتصر الموارد الطبية على المستشفيات في المدن الكبرى، في حين يتم تجاهل المناطق الداخلية التي تعاني من إهمال الحكومة وقلة الاستثمار في البنية التحتية الصحية.
وغالبا ما تتعرض المناطق الداخلية في تونس لتحديات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مما يؤثر سلبا على الخدمات الصحية المتاحة.
إذ، تفتقر هذه المناطق إلى البنية التحتية الضرورية لتوفير الرعاية الصحية الجيدة.وبالتالي، يعاني الأشخاص المقيمون في المناطق الداخلية من عدم النفاذ إلى العلاج اللازم والمناسب، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الوفيات والإصابات والأخطاء الطبية الخارجة عن نطاقهم في بعض الأحيان.
بالإضافة إلى النقص الحاد في الرعاية الصحية، يشهد النظام الصحي في تونس تفاقم الفساد والإدارة السيئة.
على سبيل المثال، قضية وفاة الرضع في مستشفى وسيلة بورقيبة وتورط بعض المسؤولين الصحيين تعكس سوء الإدارة والتقصير في توفير الرعاية الصحية الآمنة.
إن النظام الصحي يحتاج إلى تحسين شامل للإدارة والمراقبة وتعزيز الشفافية والمساءلة، لضمان توفير رعاية صحية جيدة وآمنة لجميع المواطنين التونسيين.
لحل هذه المشكلة الملحة، يجب أن تولي الحكومة التونسية اهتماما جادا لتطوير البنية التحتية الصحية في المناطق الداخلية وتوفير الأطباء المتخصصين والمستشفيات المجهزة بالمعدات الطبية الحديثة والاهتمام بالمناطق المهمشة مثل معتمدية تمغزة من ولاية توزر التي طالب أهاليها مؤخرا بتعزيز الإطار الطبي للمستشفى المحلي بالجهة.
ويجب أيضا تعزيز التدريب وتحفيز الكوادر الطبية للعمل في هذه المناطق النائية.
فوفقًا لإحصائيات عمادة الأطباء، الأخيرة يترك 80 بالمئة من الأطباء الشبان حديثي التخرج تونس سنويًا، وهذا يشكل نسبة عالية ومقلقة.
وتتعالى الدعوات العاجلة من المنظمات المهنية في قطاع الصحة لإيجاد حلول جذرية لوقف هجرة الأطباء وتأثيراتها الضارة على جودة الرعاية الصحية العامة والاستثمارات الطبية ومستقبل القطاع الصحي.
وتجدر الإشارة إلى أن الأطباء الشبان يتجهون في الغالب إلى الأسواق الأوروبية، حيث تعد ألمانيا وفرنسا وجهتين رئيسيتين لهم، يليهما دول الخليج وكندا، وفقًا لأحدث الأرقام التي نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس.
لذا، ينبغي أن تكون الرعاية الصحية حقاً متساوياً ومتاحاً لجميع المواطنين، بغض النظر عن مكان إقامتهم.
كما ينبغي أن تكون الرعاية الصحية حقا متساويا ومتاحا لجميع المواطنين، بغض النظر عن مكان إقامتهم.
الاستثمار الكافي في الرعاية الصحية في المناطق الداخلية بتونس يؤدي إلى تحسين حالة الصحة ورفاهية السكان وخاصة ضمان حقهم الشرعي في الصحة المكفول بالدستور.
إن مستقبل صحة المناطق الداخلية يعتمد على التزام الجميع بتحقيق العدالة الصحية والتأكد من أن كل فرد يحصل على الرعاية الصحية الكفؤة والآمنة التي يستحقها.