في ظل تجاهل مستمر من قبل سلطة الإشراف وغياب حلول فعلية، دخل سائقو التاكسي الفردي في إضراب بتاريخ 19 ماي ووقفة احتجاجية مطالبين بتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية والاقتصادية.
زيادة مؤجلة منذ سنوات
صرّح نادر الكزدغلي، رئيس النقابة الأساسية للتاكسي الفردي على موجات إذاعةSon FM ، بأن آخر زيادة في تعريفة العداد تعود لسنة 2022، وكانت زيادة غير مدروسة خلّفت احتقاناً لدى المواطنين والسائقين على حدّ سواء. وأكد أنه في سنة 2024 تقدمت النقابة بمطلب رسمي لوزارة النقل للترفيع في التعريفة بناءً على دراسة يعدها خبير يأخذ في الاعتبار وضعية كل من السائق والمواطن. ومع ذلك، لم تتلقَّ النقابة أي استجابة رغم تعدد المراسلات والمقترحات.
وأضاف: "منذ اشتغالي كسائق تاكسي منذ 14 سنة، لم تتم أي زيادة آلية. نلجأ دائمًا للاحتجاج والاضراب من أجل نيل حقوقنا، في حين أن هذا حق مشروع."
حوار عقيم ووعود شفاهية
شهد يوم 19 ماي تحركًا احتجاجيًا تزامن مع إضراب دعا إليه سائقو التاكسي، ورغم ذلك لم يتحرك مسؤولو وزارة النقل إلا بعد إعلان الوقفة. وتم تنظيم لقاء مع عدد من المسؤولين، لكنه، حسب الكزدغلي، كان مخيبًا للآمال، حيث تم "رمي الكرة في ملعب وزارات أخرى"، بالرغم من أن القانون عدد 33 لسنة 2004 يحمّل وزارة النقل مسؤولية تنظيم قطاع التاكسي.
وأشار إلى أنه تم وعدهم بعقد جلسة مع وزير النقل، لكنهم تفاجؤوا بغيابه، وتلقّوا فقط وعودًا شفهية بانطلاق دراسة الزيادة انطلاقًا من الثلاثاء، دون توثيق رسمي. وهو ما دفعهم لإعلان الإضراب المفتوح، مع إمكانية التصعيد إلى إضراب وطني بالتنسيق مع مختلف النقابات المختصة.
الكرامة قبل كل شيء
أوضح الكزدغلي أن سائق التاكسي يشتغل في ظروف صعبة تمتد أحيانًا إلى 16 ساعة يوميًا، مما يعرضه لمخاطر صحية وأمنية تصل حد الاعتداءات ومحاولات القتل. وشدد على أن الحل يكمن في إصلاح الوضعية عبر تعديل عادل ومدروس للتعريفة، يأخذ بعين الاعتبار الانتظار والمسافة، ويحد من ظاهرة الامتناع عن العمل في أوقات الذروة.
كما أكد أن "زيادة الأجور تشمل الموظفين في مختلف القطاعات، وبالتالي من حق سائق التاكسي أن يُنصف هو الآخر، خاصة في ظل تدهور مقدرته الشرائية."
مطالب واضحة… وحلول في متناول اليد
المطالب الأساسية التي ينادي بها سائقو التاكسي ليست جديدة ولا تعجيزية. أهمّها الزيادة المدروسة في تعريفة العداد بما يوازن بين مصلحة السائق والقدرة الشرائية للمواطن، وتفعيل الزيادات بصفة آلية دورية، بدل اللجوء المتكرر للإضرابات من أجل نيل الحد الأدنى من الحقوق.
إضافة إلى ذلك، تطالب النقابة بتوحيد التعامل مع القطاع تحت إشراف وزارة النقل فقط، بدل تحميل المسؤولية لجهات متفرقة، وتفعيل نظام توثيق رسمي للمخرجات والاتفاقات حتى لا تبقى الوعود مجرّد كلام شفوي عابر.
احتقان اجتماعي... وإهمال مؤسساتي
لا يمكن عزل هذا التحرك عن السياق العام لحالة الاحتقان التي يعيشها القطاع، نتيجة الإهمال المؤسساتي المتواصل، وغياب الرؤية الإصلاحية الشاملة من قبل الحكومة. سائقو التاكسي الفردي هم مواطنون قبل أن يكونوا مهنيين، يعيلون أسرًا ويواجهون يوميًا تحديات اقتصادية وأمنية قاسية.
في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار، وتراجع المداخيل، لم يعد العمل في هذا القطاع يوفر الحد الأدنى من الكرامة. كما أن تجاهل مطالبهم يُفاقم من التهميش ويزيد من تفاقم الظواهر السلبية.
دعوة للمسؤولية والاستجابة العاجلة
في ضوء هذا التصعيد، تجد الحكومة نفسها أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية واقتصادية لإيجاد حلول عملية وجذرية. تأجيل الحلول، أو الاكتفاء بالوعود، لم يعد مجديًا. المطلوب اليوم هو قرار سياسي شجاع بتوثيق الاتفاقات، وضمان حدّ أدنى من العدالة الاجتماعية لهذا القطاع المنسيّ.
كما رفض ممثلو النقابة الحلول الأمنية في التعامل مع السائقين، مؤكدين أن الامتناع عن نقل المواطنين في أوقات الذروة ليس خيارًا بقدر ما هو نتيجة وضع غير عادل. ويقترحون أن يتم ضبط التعريفة بشكل يدمج وقت الانتظار والمسافة المقطوعة، لضمان عدالة في العائدات وتجنب التصادم مع المواطن.
ختامًا، وبعد فشل الجلسة الأخيرة نتيجة غياب وزير النقل وعدم الحصول على محضر مكتوب، أعلنت النقابة الأساسية، بالتنسيق مع الاتحاد التونسي للتاكسي الفردي والنقابة الوطنية للدفاع عن التاكسي الفردي، الدخول في إضراب مفتوح، مع احتمال التوجه نحو إضراب وطني شامل. وفي الوقت ذاته، حذر نادر الكزدغلي من بعض الأطراف التي تدّعي الانتماء للاتحاد وتُحدث بلبلة في صفوف المهنيين، مؤكدًا أن هذه الأطراف لا صفة لها.
الإضراب المفتوح ليس مجرد تحرك نقابي بل هو إنذار حقيقي:
إما الإنصات لصوت السائقين، أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى في قطاع يعتبر شريانًا أساسيا في حياة المواطن اليومية. والمطلوب اليوم ليس أكثر من العدالة، والكرامة.